¨°o.O ( ملتقي الشهيد رامي كريم) O.o° -

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
¨°o.O ( ملتقي الشهيد رامي كريم) O.o° -

اجتماعى ثقافى ترفيهى

دخول

لقد نسيت كلمة السر

المواضيع الأخيرة

» الان لعبة Age of Empires 2 Gold Edition كاملة وبروابط سريعة ... لا تفووووووووووووووتك
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالجمعة أكتوبر 02, 2009 6:05 pm من طرف نسر الشرق

» اصابة مسؤل عسكري في كتائب ابو الريش بجروح خطيرة...
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالإثنين يناير 26, 2009 5:43 pm من طرف صقر جباليا

» أقسى حملة تهويد تشن ضد القدس .. وأبو حلبية يناشد بوقف جريمة الاحتلال
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالسبت يناير 24, 2009 7:56 pm من طرف صقر جباليا

» انا الزهرة الفتحاوي اقدم اليكم اسفي وعتذاري عما حدث بيني وبين الوردة البيضاء
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالسبت يناير 24, 2009 7:53 pm من طرف صقر جباليا

» أغنية الشهيد رامي كريم داري الدمع
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالإثنين يناير 19, 2009 12:25 pm من طرف فارس الاحزان

» اندماج في قطاع صناعة السلاح الأمريكي
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالسبت أغسطس 09, 2008 8:19 pm من طرف الفراشة

» اسئلة صريحة وشوي حزينة
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالأربعاء أغسطس 06, 2008 5:50 pm من طرف الزهرة الفتحاوي

» ايهما اصعب عليك؟؟؟؟
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالأربعاء أغسطس 06, 2008 5:00 pm من طرف الزهرة الفتحاوي

» حط احد الاعضاء تحت المر الواقع........لعبة حلوة كتير
نهرو عبد الصبور طنطاوي Emptyالأربعاء أغسطس 06, 2008 1:35 pm من طرف الفراشة

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 4 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 4 زائر

لا أحد


[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 121 بتاريخ الثلاثاء سبتمبر 24, 2024 12:13 pm

تحية الى كل الرفاق فى منتدى الشهيد رامى كريم (ابو هارون)

2 مشترك

    نهرو عبد الصبور طنطاوي

    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:01 pm

    2006 / 9 / 10
    الأساس في العلاقات بين بني البشر في القرآن تقوم على التنوع المؤدي حتما إلى التعارف فيما بينهم.
    قال تعالى:
    (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
    والتفاضل الوحيد بين بني البشر يكون في فعل التقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والتقوى هي من الوقاية والوقاية أصلها في اللسان العربي هي: دفع شيء عن شيء بغيره. بمعنى دفع غضب الله وعذابه عن الناس بفعلهم للطاعات وتركهم المعاصي.
    إذن من هذا النص القرآني العظيم نستنتج أن أصل العلاقة بين الناس هو أنهم من جنس واحد وهو الجنس البشري أو جنس الناس الذي يتنوعون في ذكر وأنثى وشعوبا وقبائل ، وجعل الله هذا التجانس مع ذلك التنوع لغاية أن يتعارف الناس مع بعضهم البعض أو على بعضهم البعض ، إذ لو كان الناس نوعا واحدا وشعبا واحدا وقبيلة واحدة لما احتاج الناس إلى التعارف فيما بينهم ، أما التنوع بين بني الجنس الواحد هو الباعث على تعارف الناس فيما بينهم ، وتعرفهم على بعضهم البعض ، وأصل التعريف والتعارف هو: تحديد الشيء بذكر خواصه المميزة.
    إذن أصل العلاقات بين الناس يقوم على التعارف والتكامل والتعاون فيما بينهم وهذه هي القاعدة ، أما الاستثناء فيكون في حالات الحروب والاعتداء من قبل البعض على البعض الآخر ، ومن هنا يأتي التشريع القرآني للولاء والبراء.
    البعض من الناس يعتقد جهلا أن نهي القرآن عن موالاة البعض من غير المسلمين ، هو تحريض من القرآن للمسلمين على كره غير المسلمين وبغضهم بسبب عدم اعتناقهم للإسلام أو بسبب بقائهم على دياناتهم، وهذا فهم قاصر خاطئ لنصوص القرآن.
    إن الولاء والبراء بين المسلمين وغير المسلمين من المواضيع التي أخطأ في فهمها معظم الناس المسلمين وغير المسلمين, وكل أدلى بدلوه في هذا الموضوع .
    فالتيارات الإسلامية معظمها يعتبرون أن أي شخص على وجه الأرض لا ينتسب للإسلام يجب على المسلمين معاداته وبغضه والتبرؤ منه ويحرم مخالطته ومصاحبته ومشاركته ويحرم حبه والتودد إليه , أما البعض من غير المسلمين يتلقفون هذا الفهم السقيم الذي يفهمه المغالون والمتشددون المسلمون بغرض تشويه صورة الإسلام , ثم يقولوا انظروا إلى الإسلام إنه دين يدعو إلى العداء والكراهية والحقد بين الناس, وإنه دين لا يعرف التسامح ولا الرحمة.
    هذا هو اعتقاد كل من المسلمين المتشددين وغير المسلمين, فكل منهما ينظر إلى الموضوع حسب رؤيته وحسب ما يؤيد نظريته وتوجهه، وكل من الفريقين يعتمد على بعض القصص وبعض الأحاديث الظنية المتناقضة والمتضاربة مع المنهج القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
    وكما يعلم الجميع أن كتب التراث الإسلامي وما يسمى بالسنة والسيرة والفقه معظمها مليئة بالتناقضات في كل الأحكام والتشريعات والوقائع بحيث لا يكاد يخلو حكم أو تشريع أو حادثة واحدة إلا وفيها خلاف واختلاف وتناقض تعج به كتب التراث ، وهذا واضح جلي لكل من له أدنى اطلاع على كتب التراث الإسلامي والذين يعتمدون كتب التراث كمصادر ومراجع لتوجهاتهم الفكرية والشخصية سواء منهم التيارات الإسلامية أو غير الإسلامية وكما هو معلوم وليس بخاف على أحد أنهم يصطادون من كتب التراث ما يحلوا لهم ولمناهجهم وتوجهاتهم الشخصية ، ولحاجات في نفوسهم.
    ولكن ماذا عن رؤية القرآن لهذه المسألة؟ هذا ما سوف نجيب عنه في هذا المقال.
    سوف نعرض نظرة القرآن إلى الولاء والبراء أو الموالاة والمعاداة بين المسلمين وغير المسلمين على النحو التالي :
    بداية نقول إنه من المحال أن يأمر دين من الأديان اتباعه بأن يكرهوا أهل الأرض جميعا دون سبب يذكر , أو أن يعادوا أهل الأرض جميعا دون سبب يذكر, لا لشيء سوى انهم غير مسلمين أو غير تابعين لدين الإسلام , فلو حدث هذا فهو ضرب من الجنون الذي لا يستسيغه عقل , ومحال أن يكون هذا دين جاء من عند الله ومحال أن يكون هذا مقصد القرآن وهذه نظرته . إذن ما هي نظرة القرآن لهذه المسالة ؟
    قبل الحديث عن الولاء والبراء في القرآن نقوم ببيان معنى كل من الولاء والبراء كما جاء في اللسان العربي على النحو التالي:
    الولاء في أصل اللسان العربي هو: القرب.
    أما البراء فهو: التباعد من الشيء ومفاصلته.
    ومن هذا المعنى للولاء نرى أن الله قد نهى عن القرب من بعض الكفار والقرب منهم جاء في كل آيات القرآن بمعنى النصرة أي مناصرة الكفار ضد المسلمين وذلك في حالة الحروب والاعتداء فقط من قبل الكفار على المسلمين, ولا يمكن أن يكون المقصود بالولاء وشائج القرابة أو المحبة أو الصداقة أو المعاملة بالحسنى كما يعتقد البعض ، لأن الولاء بهذين المعنيين يستحيل النهي عنهما , لأن القرابة موجودة أصلا ولا يعقل النهي عنها والمحبة أيضا لا يمكن النهي عنها، أما ما يمكن ويعقل النهي عنه هو ولاء النصرة بمعنى المساعدة والمعاونة وهذا هو ما قصده الله سبحانه بالنهي عنه , ومن المعلوم عند الناس أن النصرة لا تكون إلا في الحروب إذ لا يعقل أن يكون هناك نصرة لأحد على أحد إلا بوجود عداوة وحرب وهذا ما قصده الله سبحانه عن تولي الذين كفروا أي عند نشوب الحرب والقتال بين المسلمين وغير المسلمين , فلا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينصر أو يناصر الكفار المعتدين على إخوانه المسلمين , أما المشركين وغير المسلمين من أي ملة كانوا لم ينه الله عن معاملتهم وبرهم والعدل في معاملتهم والإحسان إليهم ما لم يناصبوا المسلمون العداء في دينهم أو يغتصبوا حقوقهم.
    وهنا مسألة أيضا يجب توضيحها وهي أن أي حرب بين المسلمين وغير المسلمين يجب أن ينظر إلى سبب هذه الحرب فإن كان سببها اضطهاد المسلمين وسلب حقوقهم بسبب دينهم أي اعتناقهم للإسلام فعندها لا يحل لمسلم يؤمن بالله ويؤمن بالإسلام أن يناصر غير المسلمين ويتولاهم في حربهم ضد المسلمين , وقد تنشب حرب بين المسلمين وغير المسلمين بسبب قطعة أرض أو أي سبب آخر غير الدين فهنا ينظر إلى الحق مع من ؟ مع المسلمين أو مع غير المسلمين , فإن كان الحق للمسلمين فلا ينبغي مناصرة غير المسلمين وإن كان الحق مع غير المسلمين فلا ينبغي أن يناصر المسلمين في ظلمهم لغيرهم , حتى و لو كانوا مشركين وغير مسلمين ما دام انهم معتدى عليهم من قبل المسلمين , وهنا ينبغي أن يناصر صاحب الحق ويقف بجانبه حتى ولو كان غير مسلم ضد مسلم لأن الله امرنا بالعدل بين الناس مؤمنهم وكافرهم ، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
    فالنهي عن ولاية ومناصرة المشركين أو الكافرين الواردة في القرآن هي للذين يقاتلون المسلمين في دينهم ، أو قتال من يغتصبون حقوق المسلمين ويخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم بغير حق , وهذا ما قرره القرآن في كل نصوص القرآن التي تنهى عن موالاة غير المسلمين.
    قال تعالى :
    (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
    فلم ينهى الله عن ولاية أحد على وجه الأرض إلا الذين يقاتلون المسلمين في دينهم أو يغتصبوا حقوقهم أومن يناصرهم حتى ولو كان من المسلمين , فمن ناصر أعداء المسلمين وساعدهم وعاونهم ضد المسلمين يجب التبرؤ منه وعدم ولايته إلا إذا تاب وعدل عن فعله هذا ، هذا شريطة أن يكون الحق والعدل مع المسلمين.
    ولم ترد آية في القرآن تنهي عن ولاية المشركين أو أهل الكتاب اليهود والنصارى لأجل دينهم أو عدم اعتناقهم للإسلام ، إلا الذين حاربوا المسلمين في دينهم أو اغتصبوا حقوقهم أو أعانوا أعداء المسلمين عليهم وناصروهم وساعدوهم ضد المسلمين , وكل آية وردت في النهي عن موالاة المشركين أو اليهود أو النصارى ومن ناصرهم ومن تولاهم لا بد وأن يذكر سياق القرآن أنهم ظالمين للمسلمين أو معتدين على حقوق المسلمين أو مناصرين لأعداء المسلمين , ولم يرد نص قط في القرآن ينهى عن موالاة المشركين أو اليهود والنصارى بسبب عدم اعتناقهم للإسلام أو بسبب كفرهم وشركهم فهذا لم يرد قط في كتاب الله , ومن يأت بنص مقتطع من سياق الآيات فليراجع القارىء الآيات قبلها والآيات بعدها وسيعرف أن كل نهي عن موالاة المشركين واليهود والنصارى مقصود منه المحاربين للمسلمين فقط , وليس كل المشركين وليس كل الكافرين وليس كل اليهود والنصارى بل المعادين والمحاربين لهم والمعتدين عليهم بسبب دينهم , وسوف أورد كل النصوص التي وردت في القرآن في النهي عن موالاة المشركين واليهود والنصارى المعادون للمسلمين والمعتدون عليهم بسبب اعتناقهم للإسلام , والمعاونين للمشركين ضد المسلمين .
    قال تعالى : (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء)
    هذا نهي من الله للمؤمنين عن اتخاذ الكافرين أنصارا من غير المؤمنين والنصرة لا تكون إلا في الحرب أو في إبطال حق للمؤمنين , أما في أمور الحياة اليومية من معاملات وبر وعدل وإحسان ومعاونة وغيرها فلا يقال عنها ولاية أو نصرة لأن النصرة لا تكون إلا في الحرب أو في إبطال حق لصاحب الحق , هذا هو معنى النصرة وتكون الولاية للأعداء ونصرتهم إما بمساعدتهم ضد المسلمين أو بتقديم ما من شأنه إلحاق الأذى والظلم بالمسلمين أو بالقتال معهم أو بالتجسس للأعداء ضد المسلمين كل هذا ولاية ونصرة وهذا هو معنى قوله تعالى: (من دون المؤمنين) أي من غير المؤمنين , ولا يقصد مطلقا من هذه الآية القرابة أو المحبة أو الصداقة والمعاملة بالتي هي أحسن وهذا محال أن ينهى الله عنه لاستحالة تحقيقه إذ كيف أنهي شخصا عن قرابته حتى لو كانوا أعداء له ؟ أو كيف أنهاه عن محبة شخص ما حتى ولو كان عدو له أو مواليا لأعدائه ؟ وذلك لأن القرابة والمحبة حاصلة قبل العداوة وهذا ما لا سبيل إلى منعه مطلقا , أما المقصود عدم مناصرة الكفار المعتدين على المسلمين وعدم تقديم أي عون لهم ولو كان هؤلاء القوم أحبة وذوي قربى.
    وقال تعالى:
    (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا)
    وهؤلاء جماعة من المسلمين بقوا في مكة ولم يهاجروا مع الرسول وتمنوا أن يبقى المسلمين في صفوف الأعداء مثلهم لقوله تعالى :(ودوا لو تكفرون كما كفروا) فهؤلاء نهى الله عن نصرتهم ما داموا بين صفوف الأعداء , لكن إن هاجروا وتركوا أهل مكة المعتدين الغاصبين فعندها ينتهي الأمر , أما إن بقوا ودارت رحى الحرب فيجب قتلهم أينما وجدوا ولا يحل مناصرتهم وهم على هذه الحال .
    قال تعالى:
    (بشر المنافقين أن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)
    وقال تعالى:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا)
    وقال تعالى:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منكم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فتري الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسي الله أن يأتي بالفتح أوامر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)
    وقال تعالى:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين * وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)
    وقال تعالى:
    (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)
    وقال تعالى:
    (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)
    وقال تعالى:
    (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض)
    وقال تعالى:
    (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)
    كل هذه النصوص تنهى عن موالاة ونصرة غير المسلمين ضد المسلمين سواء كانوا مشركين أو من أهل الكتاب اليهود والنصارى إذا كانوا يحاربون المسلمين ويضطهدونهم من أجل دينهم أو إخراجهم من ديارهم واستولوا على أموالهم , فلا يحق مناصرتهم ولا مناصرة من يناصرهم ضد المسلمين , والمناصرة والولاية تعني في مصطلحاتنا الحديثة التجسس لصالح العدو أو تقديم أي مساعدات له ضد المسلمين .
    * القــرابة والمحبــة والولاء والبراء:
    لا يمكن أن ينهى الله عن القرابة فهذا محال لأن جميع المسلمين الذين هاجروا من مكة كان لهم أقرباء في مكة وبقوا مع المشركين ولم يأمر الله أحدا بقطع قرابته أو بقطع رحمه وإنما نهى عن مناصرة وولاية الأقرباء المشركين ضد المسلمين .
    أما المحبة فلا مانع من أن يحب المسلم غير المسلم ما دام لم يقاتله في دينه ولم يخرجه من داره ولم يعتد عليه ولم يعن عليه أعداءه , والدليل على ذلك قوله تعالى: (أن تبروهم وتقسطوا إليهم) والبر هو المودة والمحبة وعمل الخير , وأباح الله أن نتزوج المحصنات من نساء اليهود والنصارى حتى ولو بقين على دينهن ولم يدخلن الإسلام , وهذه الزوجة اليهودية أو النصرانية ألا يحبها زوجها المسلم ويتودد إليها ويأكل ويشرب ويقيم معها بصفة دائمة وهي لا تزال على يهوديتها أو نصرانيتها , إذ لا يعقل أن يتزوج رجل امرأة وهو لا يحبها ويودها وربما يعشقها . إذن لم يأمر القرآن ببغض أحد من غير المسلمين مهما كان دينه إلا إذا قاتل المسلم في دينه أو أعان أعداء المسلمين عليهم .

    * كيف بدأت ولاية ومناصرة بعض المسلمين للمشركين والكفار:
    لما هاجر الرسول والذين آمنوا معه هربا من اضطهاد أهل مكة إلى المدينة بعد محاولة اغتيال الرسول , ترك المهاجرون بمكة أهليهم وذويهم وأقربائهم وبنو عمومتهم , فلما أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة لاسترداد حقوقهم وديارهم وأموالهم التي اغتصبها أهل مكة بعد إخراج الرسول وأتباعه منها , حاول البعض من أتباع الرسول أن يجامل أهل مكة ويتودد إليهم حفاظا على أهليهم وذويهم الذين بقوا في مكة ومنهم من تجسس لصالح أهل مكة كما ذكر القرآن .
    قال تعالى:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون * لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير)
    فيبين لنا هذا النص القرآني أن السبب الرئيسي وراء موالاة ونصرة بعض المسلمين لأهل مكة الأعداء هو الحفاظ على الأولاد وذوي الرحم والقرابة الذين بمكة ولم يهاجروا , وكان الخوف على الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والديار هو الباعث الرئيسي الذي جعل بعض المسلمين يوالى أعداء المسلمين من أهل مكة حفاظا عليهم من أن يبطش بهم أهل مكة أو ينكلوا بهم , وهذا هو الذي نهى الله عنه من موالاة الأعداء حتى لو كان الأهل وذوي القربى والعشيرة بينهم ضد المسلمين أثناء الحرب لاسترداد الحقوق وهذا ما أكد الله عليه في نص آخر في سورة التوبة.
    قال تعالى:
    (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون * قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين)
    وكان العمل الثاني الذي جعل بعض المسلمين يوالى أهل مكة هو وجود بعض المسلمون بين أهل مكة الذين آمنوا برسالة الإسلام وكانوا يستطيعون الهجرة لكنهم تكاسلوا وتقاعسوا عن الهجرة خوفا منهم على أموالهم وأولادهم وأهليهم من بطش أهل مكة بهم وهؤلاء نهى القرآن عن موالاتهم أو نصرتهم حتى يهاجروا , وهؤلاء قال الله فيهم :
    قال تعالى:
    (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:03 pm

    أحــــقّاَ تقوم بعض الديانات أكثر من غيرها بتعزيز أ نسا ق العنف في العلاقات الإنسانية ؟ ثمة طرق كثيرة للإلــــمام بجوانـب هـذا الســـؤال . وإحدى هذه الطرق واكثرها أهميّة وأوسـعها انتشارا، بين اللاهوتيّين ومؤرخي الأفكــــار على الأقل، تتمثّل في مراجعة النصوص الأصليّة للطوائف الدينيّة ذات العـــلاقة.

    وقــد زعـــم عالم الاجتماع باول هونيجس هايم (1885-1963) اعتماداً على مقارنة الأفكار الدينيّة لدي قوميّات مختلفة، أن الديانات المتشائمة، أي الديانات التي تتصوّر العالم شرّاً متعذّراً إصلاحه أو فاسداً، تميل إلى الإحجام عن العنف. أمّا الديانات المتفائلة ، أي التي ترى الصلاح جوهر الكون أو تراه قابلاً للإصلاح، فهي تميل إلى تبنّي الحروب الدينيّة من أجل نشر بركات الديانة الحقّة . وفي نفس الاتجاه فقد حـــدّد المحلل النفسي وعالم اللاهوت الكاثوليكي يوجين دريورمن العلاقة بين المواقف السلميّة للديانات البوذيّة والطاويّة من جهة وبين الطبيعة العدوانية للديانات "الساميّة" (اليهوديّة والنصرا نيّة والإسلام) من جهة أخرى . ولقد ميّز باحث السلام النرويجي جون جالتونج بين الأبعاد "الصلبة" للرؤية والأبعاد "الناعمة" للرؤية الكونيّة للديانات . واتّجه كذلك إلى محاولة إيجاد المزايا الأكثر تفاؤلاَ التي تروّج للسلام في الديانات البوذيّة والطّاويّة .

    إن هناك الكثير ممّا يقال ضد ما ينطوي عليه هذا المدخل من قيم تجريديّة وتنبؤيّة. وفي تقييم كمّي للعنف المحلي الذي قامت به دول العالم بين عامي 1900 و 1987 وجد رودولف روميل أ نّ معدل العنف القاتل في كل نظام حكم ، قياسا إلى عدد الأشخاص المقتولين ، لا يرتبط كثيرا بمعايير دينيّة أو إثنيّة أو اجتماعيّة أو جغرافيّة معيّنة وإنما يعود إلى فرص القتل دونما رادع من الضوابط المؤسسيّة: حيث وجد أنّه كلما كان نظام الحكم أكثر فاشيّة أو استبداديّة ارتفع معدّل القتل في ذلك النظام . وكما يقول روميل " إنّ السلطة تقتل ولكن السلطة المطلقة تقتل على نحو مطلق".

    ويؤكّد ماثيو كرين، تعديلا لمدخل روميل، أن وقوع حالات الإبادة الجماعيّة والإبادة السياسيّة التي ترعاها الدول هي أقلّ ارتباطا بالمركزيّة المطلقة للسلطة بحد ذاتها منها بحدوث ثغرات في بناء الفرص السياسيّة ، ويحدث ذلك بشكل أكبر في أعقاب الحروب الأهليّة أو الحروب الكونيـــة أو زوال الاستعمار . واتباعا للخط نفسه من التفكير الميّال لفرص القتل يعتقد بول كوليير مدير مجموعة أبحاث التنمية في البنك الدولي بأن

    " المعايير الموضوعية للمظالم الاجتماعية مثل ا اللامساواة وغياب الديمقراطيّة والانقسامات العرقية والدينيّة ليس لها أثار منتظمة ومنهجيّة على مخاطر حدوث وقوع حرب أهليّة ، حيث ترتبط مثل هذه الحرب بشكل منهجي ومنتظم ببعض الأحوال الاقتصادية مثل الاعتماد على صادرات السلع الرئيسيّة وانخفاض الدخل القومي."

    ومع ذلك فإن الكتب المقدسة، في إطار توحيدي على الأقل ، هي حافظ رمزي للذاكرة الجماعيّة، وبالتالي فهي رمز الهوية للجماعة. وتنتقل هذه الكتب السماويّة من جيل إلى جيل وتعدّ دائما جزءا رئيسيّا من التعليم ولغة الخطاب العام ، ولذلك فإن هناك فرصا قويّة لأن يتم الاقتباس من هذه الكتب السماوية والإشارة إليها بين الجماعات التي تؤمن بها أكثر من أي نــوع من أنواع النصوص الأخرى . إلاّ أن ذلك لايعني أن كل أجزاء الكتب المقدسة تتمتع بالأهميّة نفسها عند اتباعها. فمن المؤكد بأن النصــــوص التي تستعمل في الطقوس الدينية والرسمية والشعائر الدينية والصلوات تتلى وتقتبس أكثر من غيرها ، إ لا أن كل نصوص تلك الكتب المقدسة تتمتع بتلك الهاله من القداسة والتقدير والاحترام التي تــنبع من كـونها نصوصا من الكتاب المقدس، بمعني أنها مثل أدوات في صندوق "معدّات مقدس" جاهزة للاستعمال القويم وغير القويم بين المؤمنين بها إذا دعت الظروف التاريخية أو الحاجات أو الفرص لذلك أ و سمحت به.

    ما هي إذا العلاقة بين مســوغات العنف العدواني في بعض النصوص المقدسة وبين السلوك الفعلي للأشخاص الذين يكتبونها وينقحونها ويقتبسونها؟، وهل ترتبط النصوص المقدسة ذات الطابع العنيف بكتّاب (منقّحين وناقلين) معينين ؟ إذ كلما كانت النصوص المقدسة أكثر عنفا زاد عنف المؤمنين بها. إن الإجابة على هذا السؤال هي: ليس بالضرورة. وســنحاول في هذا البحث أن نبّين أن العنف العدواني في الكتب المقدسة يمكن قراءته على انّه تعويض عن الشعور بالعجز واليأس بين الذين سجّلوها أو نقــلوها.

    الغزو الإقليمي والتطهير العرقي والديني

    فرّقت قوانين الحرب في إسرائيل القديمة كما ورد في كتاب سفر التثنية الإصحاح 20 بين فئتين من أعداء إسرائيل من ا لشعوب غير العبرانيين (ليسوا من بني عابر) : أؤلئك الذين يقيمون خارج أرض الميعاد واؤلئك الذين تصادف وجودهم داخل حدودها (أي أرض الميعاد).
    أمّا بخصوص الفئة الأولى فيطلب يهوه من شعبه أن يعرضوا عليهم شروطاً للسلام (سفر التثنية: إصحاح 20: 10)، فإذا قبلوا واستسلموا فعليهم أن يكونوا عبيدا لإسرائيل بالسخرة ( التثنية: 20: 11). أمّا إذا لم يستسلموا لكم سلميّا وحاربوكم وبعد ذلك انتصرتم عليهم فاقتلوا كل رجالــهم بحــد السيف (التثنية20 13) أمّا " النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها" يأخذها المنتصر غنيمة (التثنية20: 14).

    إلاّ أن هذا الاستعمال المصنّف والمدرّج للعنف لا ينطبق على الشعوب غير العبرانية المقيمة داخل أرض الميعاد. فهؤلاء تحلّ عليهم اللعنة وهي مصطلح غالبا ما يترجم " بالحرمان" أو " الدمار المقدّس" أو " لعنة الدمار" . وفي سياق لاهوت سفر التثنية فإن إحلال اللعنة على جماعة ما هو صنو للإبادة الكاملة لحياتهم الشخصيّة والاجتماعية والروحيّة.

    وأمّا مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك يهوه نصيباًٍ فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرّمها تحريماً: الحثييّن والأموريين والكنعانيين والفرزييّن والحيو ييّين واليبوســـيين، كما أمرك الرب ألهك، لكي لا يعلّموكم أن تعملوا حسب جميع أرجا سهم التي عملوا لآلهتكم ، فتخطئو ا إلى الرب إلهكم" ( التثنية 20 16-18).

    هذه اللعنة لاتحلّ بالرجال وحدهم بل بالنساء والأطفال أيضا. (التثنية : 2: 34-35؛ 3: 6-7 يشوع 8: 26-29) وفي بعض الحالات تحلّ على دوابّهم (التثنية 20: 16-17؛ يشوع 6: 21؛ صموئيل 15: 3؛ 22: 91) وحتى الآثار الرمزية التي تدل على وجودهم لن تسلم أيضا.:

    "تخرّبون جميع الأماكن حيث عبدت الأمم التي ترثونها آلهتها على الجبال الشامخة، وعلى التلال, وتحت كل شجرة خضراء. وتهدمون مذابحهم وتكسّرون انصابهم ، وتحرقون سواريهم بالنار ونقطّعون تماثيل آلهتهم ، وتمحون اسمهم من ذلك المكان" ( التثنية : 12: 2-3).

    ولو أخذنا هذه الوصايا على ظاهرها فسيبدو لنا أنها أول تعليمات مقدسة للتطهير العرقي والديني. إلاّ أنه عندما ظهر كتاب التثنية وبدأ ت رواية تاريخ إسرائيل تتشكل في هذا الكتاب لم يكن أبناء إسرائيل في وضع يمكنّهم من إبادة الشعوب الأخرى. ويعتقد العلماء بأن بعض الأجزاء الأساسيّة في سفر التثنية ، ككتاب الأحكام( التثنية: الإصحاحات: 12-26) ربما تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد عندما ألقت دوائر المعارضة في إسرائيل باللائمة على فساد ملوكهم وسياسة التسامح (الديني) التي اتخذوها نحو المشركين والانحلال الاجتماعي والاضمحـــلال السياسي والاستيلاء الآشوري الأخير على المملكة الشماليّة سنة 722 قبل الميلاد. وعندما جلا الآشوريون عن المنطقة بين عامي 626 و 623 قبل الميلاد تم اكتشاف نسخة مفصّلة حوالي سنة 622 قبل الميلاد و قد أ صبحت هذه النسخة حجر الزاوية للإصلاحات التي قام بها الملك إشعيا بن يهوذا (640-609 قبل الميلاد). وقد حدّدت تلك الإصلاحات قوة الملك بإنشاء علاقة مباشرة (ميثاق) بين الرب (الله) وشعبه عن طريق موسى رسوله ، أي سلطة أسطوريّة سابقة للملكّية في الماضي السحيق/ البعيد . وبعد سقوط يهودا (598/587 قبل الميلاد) تم تطوير قانون التثنية وبقية المواد القديمة إلى عمل تاريخي شامل – منذ مارتن نوث(1902 – 68) عرف باسم تاريخ سفر التثنية، وربما تمّ آخر تنقيح له أثناء النفي البابلي وبعده (598/587-539 قبل الميلاد).

    وفي كل الأحوال فإن جمع تاريخ التثنية وتنقيحه يعكس فترة من الأزمات والآمال المتجددة والكوارث التي كان يواجهها الإسرائيليون القدماء ( وعاشوها في نهاية المطاف) وفقدان ركيزتين مهمتين من أركان هويتهم الجماعية ، وهما : الدولة والأرض. ولمّا كان أبناء إسرائيل هم المعرضون لمخاطر ضعف غير مسبوقة وللذوبان في المجتمعات المجاورة فقد كانوا أكثر عرضة لخطر الإبادة من الكنعانيون الوثنيين.
    لقد كُرّس سفر التثنية وتاريخ سفر التثنية لتفسير أسباب هذه الأزمة وكيفيّة الخروج منها. وقد ارجع علماء سفر التثنية سقوط المملكتين إلى انحراف الإسرائيليين عن العهد الذي أقامه الرب مع موسى في حوريب (التثنية 5 ف ف و ما بعده) و يحتّم هذا العهد على الإسرائيليين أن لا يعبدوا إلها إلاّ يهوه وأن يطيعوا قوانينه (أوامره)، وسيتم مكافأة بني إسرائيل على إخلاصهم لهذا العهد بمنحهم الرخاء والقوة في أرض الميعاد. أمّا عدم الطاعة فسيعاقبون عليها بكل أنواع الكوارث . وبقراءة سقوط المملكتين والنفي البابلي على أنّهما عقاب الهي لانحراف الإسرائيليين عن الميثاق يعني تحويل الكارثة إلى علامة على حب الرب الغيور ، أي بمعنى تأكيد ضمني على قرب الإسرائيلييّن من الرب (الشعب المختار)، وهذا بدوره أعطى الإسرائيليين سببا للأمل بأن أبناء إسرائيل ما زال لهم الاختيار بأن يغيروا قدرهم بجهودهم الذاتية: إن الخضوع المتجدد والشديد والكامل تحت العهد سيساعد على استعادة عطف وحب الرب يهوه واستعادة مملكة داود بكامل عظمتها السابقة.

    وبينما كان تاريخ التثنية يتشكل ، كانت شعوب الكنعانيين الذين أمر يهوه بإبادتهم قد اختفت منذ زمن بعيد. واستهد افهم كمرشحين للعنة الإلهية ليس له شأن بعلاقات الوقت الحاضر بين العبرانيين ومعاصريهم من غير العبرانيين . إلاّ أن سرد القصص عن الدمار المقدس للأمم التي لم تكن موجودة وقتها وإعادة سردها كانت له وظائفه . فمن ناحية أولى يعظّم ذلك تاريخ إسرائيل العسكري وقوة الرب يهوه. ومن ناحية أخرى فإنه يساعد على إيصال رسالة إلى الإسرائيليين بأن فرصتهم الوحيدة لاستعادة حب الرب يهوه وعطفه هي إبادة الشرك في إسرائيل. ومن الواضح، أو على الأقل هكذا يبدو، أ ن الأجيال السابقة قد فشلت بغفلتها عن
    واجباتها حسب العهد بالقضاء على بذور الشرك في أرض الميعاد. ونتيجة لذلك ظل أسلافهم معرضين لإغواء الديانات الخصبة لجيرانهم.

    وفي ظل هذا التناقض بين واجبات العهد المقدس واغواءآت المشركين، كانت الرغبة في إبادة النساء منطقية. فمنذ أن أغوت الأفعى حواء ُ اتّهمت المرأة دائما بأنها نقطة العبور للأفكار الدخيلة التي يمكن أن تهدم أسس النظام الأبوي. ولم يفشل علماء التثنية ، ولو جزئيا على الأقل ، بأن يعزوا انتشار الكفر والجريمة والفساد بين أبناء إسرائيل إلى الآثار السلبية للنساء المغويات وبخاصة نساء الملك سليمان الأجنبيات وعابدة البعل اللبنانية الأميرة ازابيلا زوجة ملك إسرائيل آها ب . وبناء عليه كان ينظر في الشريعة الموسوية إلى الزواج بالمشركات على أنه خطر مميت وهو محرّم قطعا (التثنية 7: 3-4)، أمّا تبادل الزيارات والعلاقات الجنسية فتعد مغامرة تهدد الأمان الاجتماعي. في العدد 25: 12 يكافئ الرب يهوه فـينحاس حفيد الكاهن هارون وأسلافه بعهد كهنوتي أبدي لأنـــه تتبع رجلا إسرائيليا وامرأة مديانية في خيمتــهم وبقر بطنيهما برمحـــه ( الأعداد 25: 1-16).
    وهكذا كان المخاطبون بقصة اللعنة هم أبناء إسرائيل أ نفسهم. ولم يكن مصادفة أن تستهدف أشد الوصايا قسوة في حلول اللعنة المدن الإسرائيلية التي بدا أنها تأثّرت بالشرك أو كانت متسا محة و متساهلة معه.

    "إن سمعت عن إحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولا: قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:05 pm

    وطوحوا سكان مدينتهم قائلين : نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها. وفحصت وفتشت وسألت جيدا وإذا الأمر صحيح وأكيد، قد عُمل ذلك الرجس في وسطك، فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحّرمها بكل ما فيها من بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها ، وتحرق بالنار المدين وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد: ولا يلتصق بيدك شئ من المحرم، لكي يرجع الرب من حمو غضبه ويعطيك رحمة . يرحمك ويكثرك كما حلف لآبائك، إذا سمعت لصوت الرب إلهك لتحفظ جميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم، لتعمل الحق في عيني الرب إلهك" (التثنية: 13:13-18).

    وعلى الرغم من أن هد ف اللعن الظاهري – الشعوب السبعة والممالك – لم يعد موجوداً، إلاّ أن خطاب اللعنة بقي وسيلة تعزيز للوحدة والانضباط. ويعكس الاستعداد للقضاء على المنحرفين الداخليين الأمل بأن إسرائيل قد تتمكن في نهاية المطاف من استعادة حب وعطف الرب يهوه عن طريق تطهير ذاتي لا مساومة فيه ,إخلاص للعهد لا تردد فيه.
    وتشير الكتب اليهودية المقدسة لحقبة ما بعد النفي إلى أن جدوى عبارة "أصنع هذا من أجلكم فاصنعوا ذلك من أجلي" أخذ حضورها يتناقص. وبرغم كل الإصلاحات والصلوات الحماسية استمر الحكم الأجنبي الدخيل. فقد تعاقب على حكمــــــهم على التوالي الآشوريون والبابـــليون والمدينييون والفرس والإغريق والرومان . فما أن تزول أسرة حاكمة أجنبية استبدادية حتى تخلفهاا أخرى أكثر قوة على الخطا نفسه ، وتبعا لذلك كانت آمال الإسرائيليين الرامية إلى التحرر تحبط مرارا وتكرارا وتتعمق الرؤيا المتشائمة للعالم . والسؤال الملح هو : لماذا يحيق الظلم بالصالحين والأبرياء بلا ذنب؟ وهو سؤال ل يقع في الجوهر من سفر أيّوب... ومع هذا تجد إجابة مقنعة هناك حيث يكون الجواب: لقد حُسمت قضية أيوب بعبارة إلهية أحادية : أن قوة الله مطلقة وغامضة ( أو هكذا يريد الرب ذو القوة المطلقة والغامضة).
    ومن زاوية أخرى، فإن العهد القديم برؤ آه الحكيمة الخاصة قد تعامل مع القضية نفسها عندما أشار إلى عدم جدوى أعمال بني البشر. ولهذا فإن من الصعب على أناس في مثل هذه الحالة من اليأس و يبحثون عن اليقين تبني مثل هذه النظرة المتشائمة والمتشككة التي تنادي بها دوائر الحكماء من بني أ إسرائيل . وحتى بين هؤلاء الحكماء كان هناك إدراك متزايد بأن جهود البشر سواء كانت تمردا عنيفا أو تطبيقا صارما لقوانين العهد أو تضحيات سخية على مذبح المعبد، لم تكن كافية لتحرير إسرائيل.

    الحب الكوني والدمار الكوني

    "ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض" (متى 6: 10)
    خلافا للعهد القديم، تشتهر النصوص الأساسيّة للمسيحية بأخلاقيات الحب الكوني (الشامل) واللاعنف . وفي المفهوم العام تتلخص أخلاقيات المسيحية في مقولات سلمية مثل "حب لأخيك ما تحب لنفسك" ، "أحبوا أعداءكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. باركوا لاعنيكم. وصلوا لأجل الذين يســـيئون إليكـــــم" ( لوقا 6: 27-36؛ متى 5: 43-48؛ قارن أيضا الرومــان 20:12)، " باركوا على الذين يضطهدونكم" (الرومــان: 12:14) "لا تقاوموا الشر" (متى 5:39) " من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضا"، (لوقا 6: 29، متى 5: 39)، "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحبّاء" (الرومان 12: 19) "كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون" (متى 26: 52)، " لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة" ( الرومان 13: 1-7، تيطس 3:1، بطرس 21: 13-14) ، " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، (متى 22: 21 ؛ مرقس 12: 17؛ لوقا 20: 25)، " أيها العبيد أطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد، لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل ببساطة القلب، خائفين الرب" (كولوسي 3: 22) " أيها النساء اخضعن لرجالكن كما يليق في الرب" (بطرس 1: 3 : 1؛ قارن ايضا كولوسي 3: 18) و " أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق" (أفسس 6: 1؛، كولوسي 3: 20)، " مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنا 18: 36)، " فإن سيرتنا نحن هي في السماوات" (فيلبي 3: 20) ، الخ.

    ألا أن صورة الحب الكوني واللاعنف تبدو نسبية نوعا ما إذا ما قورنت بحقيقة أن آخر كتاب من العهد الجديد وهو سفر الرؤيا الموحى إلى يوحنا قد انغمس في رؤى من أقسى درجات العنف التي تتجاوز فظائع اللعنات المذكورة في سفر التثنية: فسفر الرؤيا في المجمل ليس أكثر من تصوير للنهاية العنيفة للعالم، أو بصورة أدق، دمار أجزاء كبيرة من العالم صوّرت على أنها وابلا من الجحيم والنار والدخان والكبريت والمجاعة والطاعون والوحوش والزلازل وا لنجوم النا زلة (رؤيا: الإصحاحات 6، 11، 16، 18، 1:21). وعلى عكس اللعنات في سفر التثنية فإن الدمار الموصوف في سفر الرؤيا هو دمار كوني شامل ولكنه لم يأت به البشر وإنما جاءت به القوى الإلهية العظمى. وفي تصور يوحنا فإن الأقلية المختارة من الذين سيتم إنقاذ هم – وهم المخلصون لله – ما هم إلا ّ متفرجون مبتهجون.
    وبنظرة أدق،فإن العقلية العدوانية المصورة في سفر الرؤيا ليست استثناء في العهد الجديد. ففي الحقيقة توقعت أجزاء كبيرة من المسيحية القديمة أن نهاية العالم وشيكة وافترضت بأن هذه النهاية لن تكون سلسة وسهلة بل عنيفة (متى 24: 6-8، 29، 37-41 ؛ مرقس 13: 7-27: 2 بطرس 3: 10). ومرة تلو الأخرى كانت صور من الانتقام والعقاب تلازم روح الحب الكوني الشامل والتسامح غير المشروط.
    "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مر قس 16:16)، " هكذا يكون في انقضاء العالم: يخرج الملائكة ويفرزون الأشرار من بين الأبرار، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء و صرير الأسنان " (متى 13: 49-50). "مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" (مر قس 10 :25)ولكن ويل لكم أيها الأغنياء ، لأنكم قد نلتم عزاءكم. ويل لكم أيها الشبعى لأنكم ستجوعون. ويل لكم أيها الضّاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون"( لوقا 6: 24-25). " هلم ألان أيها الأغنياء، ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة" (جيمس5: 1)، " ويل لكم أيها النّاموسيون لأنكم أخذتم مفتاح المعرفة. ما دخلتم أنتم ، والداخلون منعتموهم " (لوقا : 11-52) ، " لأن كل من يرفع نفسة يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع" (لوقا 14: 11).


    وفي بعض الأحيان فإن الرغبة في عقاب الأشرار تكون في النصوص التي تحض على اللاعنف والسلوك السلمي في هذا العالم. فالآية 19 من الإصحاح 12 من الرومان والتي تقول "لي النقمة أنا أجازي، يقول الرب" يمكن قراءتها على أنها دعوى صادقة إلى اللاعنف ولكنها أيضا تمثّل مرجعا تناصيّا لسفر التثنية 32: 35 و 41، والتي لا تدع مجالا للشك بأن انتقام الرب سيكون انتقاما عنيفا جداّ ً(التثنية 32: 21- 5 2 و 41-43). والرومان 12: 20 " فإن جاع عدوك فأطعمه. وإن عطش فاسقه" يمكن أن تقرأ كوصية ليحب الشخص عدوه، إلاّ أنها إذا ما أخذت مع الجملة التي تليها "لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه" فإنها تلميح للأمثال 25: 21-22، التي تجعل مثل هذا العمل مخزيا للأعداء أو عملا يودي بهم إلى العدالة الإلهية .
    في إطار سفر الرؤيا إذن حلّت أزمة لاهوت عهد التثنية بطريقة متناقضة: من ناحية أولى كان المفروض بالسلوك الداخلي الدنيوي أن يتبع مثال المسيح الخاص بالحب والتسامح غير المشروط وحتى التضحية بالنفس. أما في العالم الآخر فستظل سلطة اله العقاب والثواب هي العليا . وحتى في هذا العالم فإن الوصية بحب الأعداء يبدو أحيانا أنها طغت عليها النشوة لرؤية هؤلاء الأعداء يعاقبون عقابا شديدا فيم بعد. فعلى سبيل المثال فإن تيرتوليان (160 –220) كان يتوق إلى

    ذلك اليوم، يوم الحساب، ستكون جميع عصور العالم وأجياله حطبا لنار واحدة. كم هو رهيب هذا المشهد في ذلك اليوم: ما هو المشهد الذي سيثير دهشتي؟ وأي مشهد سيثير ضحكي؟ ما الذي سيبهجني؟ أين أشمت_ وأنا أرى الكثير والكثير من الملوك الأقوياء... يئنّون في أعماق الظلمات؟ والحكام أيضا الذين جاروا على اسم الرب يصهرون في السنة لهب أشد من تلك التي أضرموها أنفسهم في نار غيظهم ضد النصارى الذين قاوموهم باحتقار . أؤلئك الفلاسفة الحكماء الذين تحمر وجوههم خجلا أمام أتباعهم وهم يحرقون معا...؟أو الشعراء الذين يرتعدون ليس أمام كرسي حساب للملك رادامانتوس أومينا ، بل أمام المسيح الذين لم يتوقعوا لقاءه؟ ثم هل سوف يستحق ممثلو الدراما من يستمع إليهم عندما يكون صوتهم مرتفعا وهم في كارثتهم؟ وهل سيستحق ممثلو الكوميديا المشاهدة وهم في النار ؟ أي قاضى أو مستشار أو مأمور مالي أو قسيس بكل ما أوتي من كرم وسخا سوف يمنحك الفرصة لرؤية هذه المناظر والشماتة فيها ؟ لكن مشاهد كهذه هي لنا نحن وذلك لضعف إيماننا برؤية الروح."

    وبالنظر إلى العذاب الشديد المتوقع في نهاية الزمان ُنصح البشر بأن يتأكدوا أنهم كانوا تماما على الطريق القويم في هذا الوقت. وعلى الرغم من أن المعركة الأخيرة بين الخير والشر ستقوم بها القوى الكونية، إلاّ أن بني البشر لا يفترض فيهم أن يبقوا غير مبالين أو يبقوا سلبيين. بل على العكس من ذلك كان من المتوقع من أتباع المسيح أن يشاركوا في حرب دنيوية من أجل أرواح البشرية وأن يقوموا باتخاذ القرارات التي تكون أحيان مؤلمة ولكنها ضرورية لحرب روحية ناجحة.

    لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فأني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه ، والابنة ضد أمها والكنّة ضد حماتها . وأعداء الإنسان أهل بيته" (متى 10: 34-36). " إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وأخوتها وأخواته، حتى نفسه أيضا، فلا يقدر أن بكون لي تلميذا | (لوقا 14: 26). " لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزودة كذلك. ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا. لأني أقول لكم: إنه ينبغي أن يتم في أيضا هذا المكتوب: وأحصى مع آثمة. لأن ما هو من جهتي له انقضاء" (لوقا 22: 36- 37).

    إن لغة العهد الجديد مرصّعة باستعارات عسكرية تظهر أتباع عيسى كمحاربين روحانيين ضد قوى الشر الشيطانية.

    "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثُبُتوا ضد مكائد إبليس . فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء ، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ، مع أجناد الشر الروحية في السماوات . من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتموا كل شيء أن تثبتوا. فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام. حاملين فوق الكل ترس الأيمان، الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة. وخذوا خوذة الخلاص ، وسيف الروح إلى هو كلمة الله." (أفسس 6: 11-17).

    وقد صوّر اوريجن (185-254) كلاَّ من بولس وبطرس بأنهم أبطال مسيحييون:

    " حاربوا كثيرا وقهروا الكثير من الشعوب الهمجية المتوحشة وأذلوا كثيرا من الأعداء ، وغنموا الكثير من الغنائم واحتفلوا بانتصارات كثيرة ورجعوا بأياد ملطخة بدم من مذابح الأعداء، ومن استحمت أقدامهم وغسلت أيديهم بدم المذنبين ، ولأنهم هزموا وقتلوا كتائب كاملة من الشياطين المتنوعة التي لو لم يهزموهم لم بكن بإمكانهم القبض على المساجين ، ... هؤلاء هم جميع أصحاب الذين يؤمنون الآن بالمسيح،. إن الذي يتمكن من انتشال الناس من سيطرة الشياطين يمكن القول عنه بأنه ربح معركة حاسمة دامية من الشياطين".

    لقد كان الجمع بين الحب والحروب الروحية يصنع المعجزات لنشر المسيحية الأولى: وقد ساعد ذلك على تعبئة طبقات من الأصدقاء ـ الأعداء الذين بينهم عداوة شديدة كمصادر قوية لبناء المجتمع دون إثارة صدا مات مع السلطات الحاكمة. وقد ساعد الوعظ والحض على الحب والصلح والهدوء السياسي كفضائل للحياة الدنيا على إبعاد الكثير من الصراعات الخطيرة، وهكذا سهّل ذلك في بقاء المسيحية وفي النمو السكاني في الإمبراطورية الرومانية. وكان نقل مسرح الحرب إلى مجال الحرب النفسية ضد القوى الشريرة والشعوب الشيطانية خيارا جذابا لأؤلئك الناس الذين تجنبوا مخاطر التمرد العنيف ضد السلطات الرومانية، ولكنه أيضا يتناغم جيدا مع العواطف البطولية لمجتمعات الشرف_والعار في حوض البحر المتوسط بشكل عام والتقاليد العسكرية الرومانية بشكل خاص، وعلى النقيض من مبادئ المحارب الغنوصي في التقاليد الإغريقية والرومانية ساعدت هذه الحرب النفسية ضد الشر البناء المستمر والمحافظة طويلة الأجل على التفريق/التمييز المطلق بين الصديق و العدو التي بقيت في معزل عن الواقع وعن القوى السياسية الدنيوية وعن تكوين صداقات مع الكل بما فيهم الأعداء.

    وهكذا ساعد إضفاء الروحانية على العواطف العدوانية ليس فقط في عيش المرء بسلام في واقع تمنى دائما أن يدمّره ويقضي عليه، بل في توفير الإمكانية في تحويل عداء الفرد ليس فقط ضد الأفكار والرغبات الشريرة، بل ضد الرجال والنساء الذين يجسدونها. وفي الحقيقة يشير العهد الجديد إلى بضع حالات كان يعتقد فيها أن موت أعضاء الكنيسة المنحرفين المفاجئ أو مرضهم يعود إلى عقاب على أفعال الهي الأفعال وأفكار آثمة.

    وباستعادة أحداث الماضي يتضح أن فكر سفر الرؤيا (الإيحائي، الكشفي) قد تحوّل ليصبح إحدى الطرق
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:05 pm

    أكثر نجاحا لإعادة تأطير الفكر الديني والسياسي في التاريخ العالمي. وقد عكس هذا الفكر بين يهود ما بعد المنفى إحباط الناس الذين خسروا استقلالهم السياسي لصالح مجموعات قوى استعمارية شاملة خارجة عن سيطرتهم، ويبدو أنهم أيضا أصبحوا غير قادرين على تحسين مصيرهم بجهودهم الذاتية ، أي عن طريق عمل جماعي سياسي وديني مستقل في منطقة معينة (أي المنطقة الممنوحة لهم). ولم يكن إحلال الممالك الصغيرة المتشرذمة والمتمتعة بحكم ذاتي عن طريق منافسين من القوى العظمى المتغيرة ذات القوة التدميرية أحيانا التي لم يكن باستطاعة تلك المجتمعات المتشرذمة من الوقوف في وجهها ، مناخا صالحا لاستيعاب تاريخ العالم وأزماته والحلول الكونية لها بل أدى ذلك إلى سيادة الاعتقاد بأن الله قد نأى بنفسه بشكل مؤقت عن التاريخ البشري، تاركا المجال واسعا لانتشار الشر في هذا العالم.

    لقد فسرت الهزائم السياسية والطاعون والكوارث الطبيعية في لاهوت سفر التثنية على أنها من علامات العقاب الإلهي ، أي أنها نتائج سوء سلوك الفرد نفسه، وهي تستوجب الندم والتكفير وتجديد الإخلاص للعهد. وما استمرار الكوارث إلا دليل على عظم الذنوب التي يحملها الشخص. أما في المعتقدات التوراتية فقد صيغت المحن الحالية كأنها آلام ولادة نهاية الزمان، ومن هنا فهي نذر الخلاص الأخير والكامل.

    لقد وفر فكر سفر الرؤيا طريقا للأمل ضد الأمل ، وطريقا لاحتفاظ المرء بعقيدته في وجه الأحداث الهائلة ، وطريقا لتجنب العبرة الواضحة المتوقعة التي يحتمل استخلاصها من تلك الأحداث، وبعبارة أخرى فإن الله لم يحاب الفرد بعد كل هذا. ولا تسمح العقيدة التوراتية للفرد بإنكار أحداث التاريخ ، ولكنها توفر له الوسيلة لإنكار أهمية هذه الأحداث ومغزاها وأثارها"

    ومن الأهمية بمكان التأكيد على الفرق بين مؤلفي الفكر التوراتي وأنماطه الأدبية وجمهوره الاجتماعي ، حيث يعتقد كثير من العلماء بأن أدب التوراة اليهودية قد ألفه/ كتبه وكهنة . وقد استعملت الأعمال التوراتية المتعددة التي ظهرت خلال العصر الإغريقي – الروماني عناصر واسعة الانتشار من أدب الصفوة الشرقي والإغريقي مثل الكهنوتية البابلية ودعاية الخلاص لملوك الفرس وتنبؤات المنجمين عن حلقات التاريخ الكوني.إلاّ أن التلقي الاجتماعي لها كان كبيرا. وقد تحدث بروس لنكولن عن ذلك قائلا " بأنةيمكن للمرء أن يفهم الرؤيا على أنها أسلوب ديني يعبّر عن اهتمامات المطرودين والمدافعين ووعيهم الكامل " مثل " شرائح من المجتمع فقدت القوة والسلطة والمكانة الرفيعة والثروة والثقة في ذاكرتها التاريخية أو الذين يشعرون فعلا بأنهم مهددون بهذا الخسران في حاضر هم. ومن الأمثلة الكثيرة يمكن للمرء أن يشير إلى النخب المشردة والمفكرين المهمّشين وهؤلاء المحرومين من الرعاية والأشخاص المنفيين والطبقات الاجتماعية المهددة بزوال بنيتهم.

    يتسم تعريف لينكولن بالمرونة الكافية ليغطي مجموعة كبيرة من الرؤى . وقد لا قت رؤية
    العالم مقلوبا رأسا على عقب قبولا واسعا بين " البؤساء في الأرض" . إلاّ أنه من الخطأ الافتراض بأن المنبوذين الفاسدين اجتماعيا هم الأتباع الوحيدون للرؤى التوراتية أو الألفية إذ أنه ليس من الضروري أن يكون الفرد فقيرا أو مظلوما حتى يشعر بالإحباط والذل والنفور والتمييز والحرمان والاضطهاد والإبعاد والتهميش . وتتوافق الفكرة القائلة بأن تاريخ العالم يتبع مسارا مقدّراً لايمكن لأعمال البشر المستقلة والمتمردة / التمردية تغييره مع الرؤيا المحافظة والنخبوية للعالم. "إن الاحتكام إلى المعرفة المقصورة على طبقة معينة وإلى الوحي السماوي وإلى استعمال الأساطير هو أيضا سمة من سمات الأساليب التي تتبعها السلطات الحاكمة في تسويغ منزلتها ودورها وتمارس من خلالها السيطرة ا لأيديولوجية" . وفي الحروب الأيديولوجية تخدم فكرة وجود معركة مستمرة ونهائية بين قوى الخير والشر والتي يظهر فيها المعارض عادة في دور الشر سواء كان هذا "ضد المسيح" أو "الشيطان الأكبر" أو "إمبراطورية الشر" تخدم هذه الفكرة كلا من المتمردين والحكام مرة تلو الأخرى لحشد اتباعهم.

    عنف السيطرة والقانون الإلهي

    "ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران 139)

    خلافا لليهودية وللمسيحية فقد نشأ نهج الإسلام الديني في العنف بين الناس في ظل ظروف ظهور قوة سياسية ناجحة ومنتصرة ، لذا فإنها اضطرت إلى استعمال العنف بدل الحلم بالعنف وإلى أن تضع له القوانين لتنظيم وتحديد استعماله في الحياة اليومية. وبدل الانغماس في أحلام وخيالات محبطة عن دمار الأشرار أو تدمير العالم كان على الفاتحين المسلمين الأوائل أن يطوروا أسلوبا متدرجا للتعامل مع الكافرين.

    ومن المؤكد أن صور النهاية المزلزلة للعالم كما تظهر في الآيات "كلا إذا دكّت الأرض دكّا دكّا" (89:21)؛ "يوم تكون السماء كلمهل" (70:8)؛" إذا الشمس كوّرت" (81:1)؛ " وتكون الجبال كالعهن المنفوش" (101:5؛ قارن أيضا 70:9)- تلعب دوراً بارزا في الرؤيا القرآنية للآخرة، خاصّة في السور الأوائل التي نزلت على الرسول (ص) خلال المرحلة المكية (610-622) . وفي ظل حالة من العجز السياسي وتزايد الاضطهاد كانت الأوصاف الحية للثواب والعقاب في الآخرة من بين الوسائل التعليمية القليلة المتاحة للنبي ليقنع مواطنيه المتشككين باتباع الصراط المستقيم. أما بعد هجرته إلى المدينة / يثرب (621/22) بدأت قوة إقناعه تتعزز بالبراهين الدنيوية مثل الانتصارات العسكرية المذهلة والتي غالبا ما كانت تتحقق على أعداء أكثر منه عددا وثروة وخبرة . وبلغة بسيطة، لغة الإنسان العادي، فإن أكثر الأدلة إقناعا بحقيقة الدين هي دائما تلك التي يكون وقوعها الأقل احتمالا ، أي الأدلة الخارقة أو المعجزات. فمن كان يتوقع مثلا أن تتمكن مجموعة صغيرة من المهاجرين المكيين من فتح مكة القوية وأجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية في أقل من عشر سنوات؟ ولكن هذا هو ما حدث بالذات . ومن كان يتوقع انّه بعد وفاة النبي أن يتّحد العرب الذين كانوا يتسمون بالتشرذم وسرعة الإثارة والتقلب وأن ينجحوا في اكتساح الدولتين العظميين في ذلك الوقت وهما روما الشرقية وبلاد الفرس. ويتمكنوا خلال أقل من قرن من غزو إمبراطورية فاق حجمها حجم إمبراطورية الإسكندر الكبير وإمبراطورية روما معا؟ ولكن هذا بالذات كان هو مسار الأحداث.
    وقد كان للانتصارات الخارقة والفتوحات السريع وكثرة الغنائم دور كبير في إعطاء المسلمين الأوائل كل الأسباب لينظروا إلى العالم بمنظور أكثر تفاؤلا من منظور يهودية ما قبل النفي والنصرانية الأولى. أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم لم يترك شكّاً بأن الثواب للمؤمنين في الحياة الأخرى سيفوق كل ما يتوقعونه في هذه الحياة الدنيا، كم هو واضح في الآيات (3:157؛ 8:28؛ 9:21-22، 38،72،111، 20:131؛40:39؛57:20؛ 61:12؛93:4). ولم يترك القرآن أيضا شكا في أن على المؤمنين فوق ذلك كله أن يستعدوا لذلك بتجهيز ميزان أعمالهم لليوم الآخر. ومع ذلك فإن الصعود السريع للأمة الإسلامية والسقوط المذهل لأعدائها الأقوياء يبرهنان على أن الله يريد لهذه الأمة أن تسود في الأرض.

    ومما لاشك فيه أن العالم سوف ينتهي يوما ما، ولكن القرآن الكريم يؤكد أن هذا اليوم ليس معلوما للبشر سواءً كانت " الساعة قريبة أم بعيدة " (7:187؛ 21: 109؛ 67:25-26) وأن يوما عند الله كألف سنة (5:32) بل "خمسين ألف سنة" (4:70). وعلاوة على ذلك فإن العالم سوف يأتي إلى نهايته لأن الله خلقه منذ البداية لأجل معلوم "3:46؛30:8) وليس لأنه شرير أو أنه خرج عن السيطرة الإلهية . إن هذا العالم عالم خيّر : خلقه الله وحفظه خاليا من العيوب والأخطاء (67: 3-4). إن الإسلام لا يقر مبدأ "الذنب الأول/ الأصلي"، والله لا يعتريه ضعف في خلقه ولا تأخذه سنة ولا نوم (2:255) وهو القادر الموجود في كل زمان والعالم بكل شيء وهو مطّلع علىكل أعمال البشر (4:135؛ 49:16؛ 58:7(. لا تسقط ورقة إلا بعلمه (6:59). ولن يصيب الإنسان إلا ما كتب له (3: 11-45؛9:51؛57:22؛64:11). يعطي الحكمة والهداية لمن يشاء (2:269، 272؛49:17). أما الأفراد أو الأمم الذين لا يؤمنون ولا يتوبون فهم وحدهم الذين سيعاقبون أو يستبدلون وليس العالم كله. ويكرر القرآن مرة تلو أخرى أنه لا تزر وازرة وزر أخرى (6:164؛17:15؛ 35:18؛ 39:7؛ 53:38) مؤكداً أن الناس سيحاسبون على ذنوبهم فقط وليس على ذنوب غيرهم (2: 286؛ 24:11).
    وهكذا فإن رؤية القرآن لليوم الآخر ليست تدمير العالم الآثم والظالم بقدر ما تسعى من أجل أن يتوافق البشر مع الناموس الإلهي. لقد خلق الله البشر ليعبدوه (51: 56) وهو دائما يذكّرهم بواجباتهم عن طريق الأنبياء والرسل والمنذرين والمبشرين المرسلين لأمم الأرض لبيان آيات قوة الله وقدرته والكشف عن قوانينه المقدسة . وكل الذين يكذبون برسالته سوف يعاقبون ويدمرون أو يستبدلون بأمم أفضل منهم في الدنيا وفي الآخرة لهم عقاب شديد ( 2: 217؛ 3 :56؛ 5 :33؛ 9: 69-70؛ 79: 25).أما الذين يطيعون ويؤمنون فسيثابون في الدنيا والآخرة ( 3: 148؛ 40:51؛61: 12-13) وسينصر الله أؤلئك الذين ينصرون دعوته (22:40؛ 47:7). سيمنحهم النصر (5:56؛ 61:14) وسيرثون الأرض (21:105) وسيحكــــمون الأرض (24: 55) وسوف يجعلهم الأعلون إلى يوم البعث (3: 55).
    وبهذا التركيز الشديد على العقاب والثواب الدنيويين فإن القرآن الكريم يعد من نواحي عدة إعادة صياغة قوية وتفاؤلية للاهوت العهدي التثنوي في إطار كوني شامل . وفي ضوء انتصاراتهم الصاعقة كان للمسلمين الفاتحين الأوائل كل الحق في الإيمان بأنهم هم شعب الله المختار والذين قُدر عليهم إقامة النظام في الأرض بمعونة إلهية "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون" (3: 110). فهل من العدل أن يلاموا لأنهم اعتبروا نجاحهم كمكافأة من الله لهم لتقواهم وإخلاصهم للعهد الإلهي الذي رفضه أو نقضه أو شوّهه أناس قبلهم مثل اليهود والمسيحيين؟
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:06 pm

    مجموعه قصص الانبياء كامله باذن الله اتمنى ان تنال اعجاب منتديات شبوة نت واعضائها وزورها الكرام ارجو من ادارة ومراقبين مندى شبوة نت تثبيت الموضوع والذي يحتوي على قصص الانبياء كامله باذن الله تعالى اقبلو تحياتي وفائق احترامي اخوكم ضرغام ابو سنينه من فلسطين مجموعه قصص الانبياء 1- آدم (عليه السلام) أخبر الله -عز وجل- ملائكته بخلق آدم -عليه السلام- فقال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} _[البقرة: 30] فسألت الملائكة الله -عز وجل- واستفسرت عن حكمة خلق بني الإنسان، وقد علمت الملائكة أن من الخلق من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلقهم هي عبادة الله، فهم يعبدونه، فقالوا لله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فأجابهم الله -عز وجل- عن استفسارهم بأنه -سبحانه- يعلم الحكمة التي تخفى عليهم، فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله، والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30]. وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب) [الترمذي]. ولما صار آدم حيًّا، ودبَّت فيه الحركة علمه الله -سبحانه- أسماء كل شيء ومسمياته وطرائق استعماله والتعامل معه من الملائكة والطيور والحيوانات وغير ذلك، قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] وأراد الله -عز وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } [البقرة:32]. فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند ذلك قال الله -تعالى- للملائكة: {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33]. ودار حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله..."_[متفق عليه]. وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله الله -عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} _[ص: 77-78]. فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص:85] وذات يوم نام آدم -عليه السلام-، فلما استيقظ وجد امرأة تجلس إلى جانبه فسألها: من أنتِ؟ قالت: امرأة، قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالت: لتسكن إليَّ، ففرح بها آدم وأطلق عليها اسم حواء؛ لأنها خلقت من شيء حي، وهو ضلع آدم الأيسر. وأمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛ امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} طه:[117-119]. وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء إلى الشجرة وأكلا منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟‍‍!! لقد فوجئ آدم وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عريانين؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله -عز وجل- آدم وحواء معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها. وعاش آدم وحواء على الأرض، وبدءا مسيرة الحياة عليها.. ووُلد لآدم وهو على الأرض أولاد كثيرون، فكان يؤدبهم ويربيهم، ويرشدهم إلى أن الحياة على الأرض امتحان للإنسان وابتلاء له، وأن عليهم أن يتمسكوا بهدى الله، وأن يحذروا من الشيطان ومن وساوسه الضَّارة. قصة ابني آدم: وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم حينما تقدم كل منهما بقربان إلى الله -سبحانه- فتقبَّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان من هذا الابن الذي لم يتقبل الله قربانه إلا أن حسد أخاه وحقد عليه وقتله ظلمًا وعدوانًا، قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} [المائدة: 27-30]. ولما قَتَلَ ابن آدم أخاه لم يعرف كيف يواري جثمانه، فأرسل الله إليه غرابًا يحفر في الأرض؛ فعرف ابن آدم كيف يدفن أخاه، فدفنه وهو حزين أشد الحزن لأنه لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه، قال الله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين}_[المائدة: 31] وظل آدم يعيش وسط أبنائه يدعوهم إلى الله، ويعرِّفهم طريق الحق والإيمان، ويحذِّرهم من الشرك والطغيان وطاعة الشيطان، إلى أن لقى ربه وتوفي بعد أن أتم رسالته، وترك ذريته يعمرون الأرض ويخلفونه فيها. وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في رحلة المعراج مَرَّ بآدم -عليه السلام- في السماء الأولى، وقيل له: هذا أبوك آدم فسلِّمْ عليه، فسلم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وردَّ آدم -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام، وقال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح)_[متفق عليه]. ويخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يوم القيامة يذهبون إلى آدم -عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ ولكن آدم -عليه السلام- يتذكر أكله من الشجرة فيستحي من الله، ويطلب من الناس أن يذهبوا إلى غيره من الأنبياء. [البخاري]. 2- إدريس (عليه السلام) نبي كريم من أنبياء الله -عز وجل- ذكره الله في القرآن الكريم مرتين دون أن يحكي لنا قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الأنبياء: 85] وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًّا . ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 56-57]. وقد مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلَّم عليه فقال: (.. فأتيتُ على إدريس فسلمتُ، فقال: مرحبًا بك من أخ ونبي) [البخاري]. ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله! فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وذكر بعض العلماء أن زمن إدريس كان قبل نوح -عليه السلام- والبعض الآخر ذكر أنه جاء بعده، واختلف في موته فقيل إنه لم يمت بل رفع حيًّا، كما رفع عيسى -عليه السلام- وقيل: إنه مات كما مات غيره من الرسل، والله أعلم. 3- نوح (عليه السلام) كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27]. ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته. وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين } [الأعراف:60]. فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له: {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود:32]. فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36]. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله. وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] . وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43]. ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى. ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه. 4- هود (عليه السلام) في أرض اليمن، وفي مكان يسمَى (الأحقاف) كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح، وكانوا يسكنون البيوت ذوات الأعمدة الضخمة، قال تعالى: {إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر:7-8] ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة، ويتفاخرون ببنائها، قال تعالى: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء: [128-129] ويملكون حضارة عظيمة، وقد برعوا في الزراعة بسبب توفر الماء العذب الغزير وكثر لديهم الخير الوفير، وكثرت الأموال والأنعام، وأصبحت منطقتهم حقولا خصبة خضراء، وحدائق زاهرة وبساتين وعيونًا كثيرة. وأعطى الله أهل هذه القبيلة بنية
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:07 pm

    مجموعه قصص الانبياء كامله باذن الله اتمنى ان تنال اعجاب منتديات شبوة نت واعضائها وزورها الكرام ارجو من ادارة ومراقبين مندى شبوة نت تثبيت الموضوع والذي يحتوي على قصص الانبياء كامله باذن الله تعالى اقبلو تحياتي وفائق احترامي اخوكم ضرغام ابو سنينه من فلسطين مجموعه قصص الانبياء 1- آدم (عليه السلام) أخبر الله -عز وجل- ملائكته بخلق آدم -عليه السلام- فقال تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} _[البقرة: 30] فسألت الملائكة الله -عز وجل- واستفسرت عن حكمة خلق بني الإنسان، وقد علمت الملائكة أن من الخلق من يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، فإن كانت الحكمة من خلقهم هي عبادة الله، فهم يعبدونه، فقالوا لله: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} [البقرة: 30] فأجابهم الله -عز وجل- عن استفسارهم بأنه -سبحانه- يعلم الحكمة التي تخفى عليهم، فإنه -سبحانه- سيخلق بني البشر ويجعل فيهم الرسل والأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء، والعلماء والعاملين لدين الله، والمحبين له، المتبعين رسله، قال تعالى: {قال إني أعلم ما لا تعلمون} [البقرة: 30]. وخلق الله -سبحانه- آدم من تراب الأرض ومائها، ثم صوَّره في أحسن صورة ثم نفخ فيه الروح، فإذا هو إنسان حي من لحم ودم وعظم، وكان ذلك يوم الجمعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)_[متفق عليه] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحَزْن (الصعب)، والخبيث والطيب) [الترمذي]. ولما صار آدم حيًّا، ودبَّت فيه الحركة علمه الله -سبحانه- أسماء كل شيء ومسمياته وطرائق استعماله والتعامل معه من الملائكة والطيور والحيوانات وغير ذلك، قال تعالى: {وعلَّم آدم الأسماء كلها} [البقرة:31] وأراد الله -عز وجل- أن يبين للملائكة الكرام فضل آدم ومكانته عنده، فعرض جميع الأشياء التي علمها لآدم على الملائكة، وقال لهم: {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} [البقرة:31] فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } [البقرة:32]. فأمر الله آدم أن يخبرهم بأسماء هذه الأشياء التي عجزوا عن إدراكها، فأخذ آدم يذكر اسم كل شيء يعرض عليه، وعند ذلك قال الله -تعالى- للملائكة: {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33]. ودار حوار بين آدم -عليه السلام- والملائكة حكاه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "خلق الله آدم -عليه السلام- طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فَسَلِّم على أولئك -نفر من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحية ذُرِّيتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله..."_[متفق عليه]. وأمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم تشريفاً وتعظيماً له فسجدوا جميعًا، ولكن إبليس رفض أن يسجد، وتكبر على أمر ربه، فسأله الله -عز وجل- وهو أعلم: {يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين} [ص:75] فَرَدَّ إبليس في غرور: {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص: 76] فطرده الله -عز وجل- من رحمته وجعله طريدًا ملعونًا، قال تعالى: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} _[ص: 77-78]. فازداد إبليس كراهية لآدم وذريته، وحلف بالله أن يزين لهم الشر، فقال إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلَصين} [ص: 82-83] فقال الله -تعالى- له: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص:85] وذات يوم نام آدم -عليه السلام-، فلما استيقظ وجد امرأة تجلس إلى جانبه فسألها: من أنتِ؟ قالت: امرأة، قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالت: لتسكن إليَّ، ففرح بها آدم وأطلق عليها اسم حواء؛ لأنها خلقت من شيء حي، وهو ضلع آدم الأيسر. وأمر الله -سبحانه- آدم وزوجته حواء أن يسكنا الجنة، ويأكلا من ثمارها ويبتعدا عن شجرة معينة، فلا يأكلان منها؛ امتحانًا واختبارًا لهما، فقال تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة:35] وحذَّر الله -سبحانه- آدم وزوجه تحذيرًا شديدًا من إبليس وعداوته لهما، فقال تعالى: {يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى . إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} طه:[117-119]. وأخذ إبليس يفكر في إغواء آدم وحواء، فوضع خطته الشيطانية؛ ليخدعهما فذهب إليهما، وقال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه:120] فَصَدَّق آدم وحواء كلام إبليس بعد أن أقسم لهما، ظنًّا منهما أنه لا يمكن لأحد أن يحلف بالله كذبًا، وذهب آدم وحواء إلى الشجرة وأكلا منها.. وعندئذ حدثت المفاجأة؟‍‍!! لقد فوجئ آدم وحواء بشيء عجيب وغريب، لقد أصبحا عريانين؛ بسبب عصيانهما، وأصابهما الخجل والحزن الشديد من حالهما، فأخذا يجريان نحو الأشجار، وأخذ يقطعان من أوراقها ويستران بها جسديهما، فخاطب الله -عز وجل- آدم وحواء معاتبًا: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [الأعراف: 22] فندم آدم وحواء ندمًا شديدًا على معصية الله ومخالفة أمره وتوجها إليه -سبحانه- بالتوبة والاستغفار، فقالا: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف: 32] وبعد الندم والاستغفار، قبل الله توبتهما ودعاءهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والعيش عليها. وعاش آدم وحواء على الأرض، وبدءا مسيرة الحياة عليها.. ووُلد لآدم وهو على الأرض أولاد كثيرون، فكان يؤدبهم ويربيهم، ويرشدهم إلى أن الحياة على الأرض امتحان للإنسان وابتلاء له، وأن عليهم أن يتمسكوا بهدى الله، وأن يحذروا من الشيطان ومن وساوسه الضَّارة. قصة ابني آدم: وحكى لنا القرآن الكريم قصة ابني آدم حينما تقدم كل منهما بقربان إلى الله -سبحانه- فتقبَّل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فما كان من هذا الابن الذي لم يتقبل الله قربانه إلا أن حسد أخاه وحقد عليه وقتله ظلمًا وعدوانًا، قال تعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين . لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين . إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين . فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} [المائدة: 27-30]. ولما قَتَلَ ابن آدم أخاه لم يعرف كيف يواري جثمانه، فأرسل الله إليه غرابًا يحفر في الأرض؛ فعرف ابن آدم كيف يدفن أخاه، فدفنه وهو حزين أشد الحزن لأنه لم يعرف كيف يدفن جثة أخيه، قال الله تعالى: {فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين}_[المائدة: 31] وظل آدم يعيش وسط أبنائه يدعوهم إلى الله، ويعرِّفهم طريق الحق والإيمان، ويحذِّرهم من الشرك والطغيان وطاعة الشيطان، إلى أن لقى ربه وتوفي بعد أن أتم رسالته، وترك ذريته يعمرون الأرض ويخلفونه فيها. وعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء في رحلة المعراج مَرَّ بآدم -عليه السلام- في السماء الأولى، وقيل له: هذا أبوك آدم فسلِّمْ عليه، فسلم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وردَّ آدم -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام، وقال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح)_[متفق عليه]. ويخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يوم القيامة يذهبون إلى آدم -عليه السلام- فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ ولكن آدم -عليه السلام- يتذكر أكله من الشجرة فيستحي من الله، ويطلب من الناس أن يذهبوا إلى غيره من الأنبياء. [البخاري]. 2- إدريس (عليه السلام) نبي كريم من أنبياء الله -عز وجل- ذكره الله في القرآن الكريم مرتين دون أن يحكي لنا قصته أو قصة القوم الذين أُرسل إليهم، قال تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الأنبياء: 85] وقال تعالى: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًّا . ورفعناه مكانًا عليًّا} [مريم: 56-57]. وقد مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإدريس ليلة الإسراء والمعراج، وهو في السماء الرابعة، فسلَّم عليه فقال: (.. فأتيتُ على إدريس فسلمتُ، فقال: مرحبًا بك من أخ ونبي) [البخاري]. ويروى أن نبي الله إدريس -عليه السلام- كان خياطًا، فكان لا يغرز إبرة إلا قال: سبحان الله! فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملاً، وذكر بعض العلماء أن زمن إدريس كان قبل نوح -عليه السلام- والبعض الآخر ذكر أنه جاء بعده، واختلف في موته فقيل إنه لم يمت بل رفع حيًّا، كما رفع عيسى -عليه السلام- وقيل: إنه مات كما مات غيره من الرسل، والله أعلم. 3- نوح (عليه السلام) كان ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر رجالا صالحين أحبهم الناس، فلما ماتوا حزنوا عليهم حزنًا شديداً، واستغل الشيطان هذه الفرصة فوسوس للناس أن يصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ففعلوا، ومرت السنوات، ومات الذين صنعوا تلك التماثيل، وجاء أحفادهم، فأغواهم الشيطان وجعلهم يظنون أن تلك التماثيل هي آلهتهم فعبدوها من دون الله، وانتشر الكفر بينهم، فبعث الله إليهم رجلا منهم، هو نوح -عليه السلام- فاختاره الله واصطفاه من بين خلقه، ليكون نبيًّا ورسولا، وأوحى إليه أن يدعو قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} [الأعراف:59] فاستجاب لدعوته عدد من الفقراء والضعفاء، أما الأغنياء والأقوياء فقد رفضوا دعوته، كما أن زوجته وأحد أبنائه كفرا بالله ولم يؤمنا به، وظل الكفار يعاندونه، وقالوا له: {ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} [هود:27]. ولم ييأس نوح -عليه السلام- من عدم استجابتهم له، بل ظل يدعوهم بالليل والنهار، وينصحهم في السر والعلن، ويشرح لهم برفق وهدوء حقيقة دعوته التي جاء بها، إلا أنهم أصرُّوا على كفرهم، واستمروا في استكبارهم وطغيانهم، وظلوا يجادلونه مدة طويلة، وأخذوا يؤذونه ويسخرون منه، ويحاربون دعوته. وذات يوم ذهب بعض الأغنياء إلى نوح -عليه السلام- وطلبوا منه أن يطرد الفقراء الذين آمنوا به؛ حتى يرضى عنه الأغنياء ويجلسوا معه ويؤمنوا بدعوته فقال لهم نوح: {ما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قومًا تجهلون . ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون} [هود:29-30] فغضب قومه واتهموه بالضلال، وقالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين } [الأعراف:60]. فقال لهم: {يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون} [الأعراف:61-62] واستمر نوح -عليه السلام- يدعو قومه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، دون أن يزيد عدد المؤمنين، وكان إذا ذهب إلى بعضهم يدعوهم إلى عبادة الله، ويحدثهم عن الإيمان به، وضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا كلامه، وإذا ذهب إلى آخرين يحدثهم عن نعم الله عليهم وعن حسابهم يوم القيامة، وضعوا ثيابهم على وجوههم حتى لا يروه، واستمر هذا الأمر طويلا حتى قال الكفار له: {يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [هود:32]. فقال لهم نوح: {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين . ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون} [هود: 33-34] وحزن نوح -عليه السلام- لعدم استجابة قومه وطلبهم للعذاب، لكنه لم ييأس، وظل لديه أمل في أن يؤمنوا بالله -تعالى- ومرت الأيام والسنون دون نتيجة أو ثمرة لدعوته، واتَّجه نوح -عليه السلام- إلى ربه يدعوه، ويشكو له ظلم قومه لأنفسهم، فأوحى الله إليه: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود:36]. وظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين (950 سنة) دون أن يجد منهم استجابة، فقال: {رب إن قومي كذَّبونِ . فافتح بيني وبينهم فتحًا ونجني ومن معي من المؤمنين} [الشعراء:117-118] ودعا عليهم بالهلاك، فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا} [نوح: 26-27] فأمره الله أن يصنع سفينة، وعلَّمه كيف يتقن صنعها، وبدأ نوح -عليه السلام- والمؤمنون معه في صنع السفينة، وكلما مر الكفار عليهم سخروا منهم واستهزءوا بهم؛ إذ كيف يصنعون سفينة وهم يعيشون في صحراء جرداء لا بحر فيها ولا نهر، وزاد استهزاؤهم حينما عرفوا أن هذه السفينة هي التي سوف ينجو بها نوح ومن معه من المؤمنين حينما ينزل عذاب الله. وأتمَّ نوح -عليه السلام- صنع السفينة، وعرف أن الطوفان سوف يبدأ، فطلب من كل المؤمنين أن يركبوا السفينة، وحمل فيها من كل حيوان وطير وسائر المخلوقات زوجين اثنين، واستقر نوح -عليه السلام- على ظهر السفينة هو ومن معه، وبدأ الطوفان، فأمطرت السماء مطرًا غزيرًا، وتفجرت عيون الماء من الأرض وخرج الماء منها بقوة، فقال نوح: {بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود:41] . وبدأت السفينة تطفو على سطح الماء، ورأى نوح -عليه السلام- ابنه، وكان كافرًا لم يؤمن بالله، فناداه: {يا بني اركب معنا ولا تكن من الكافرين} [هود:42] فامتنع الابن ورفض أن يلبي نداء أبيه، وقال: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} [هود:43] فقد ظن أن الماء لن يصل إلى رءوس الجبال وقممها العالية، فحذره نوح -عليه السلام- وقال له: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43]. ورأى المشركون الماء يملأ بيوتهم، ويتدفق بسرعة رهيبة، فأدركوا أنهم هالكون فتسابقوا في الصعود إلى قمم الجبال، ولكن هيهات .. هيهات، فقد غطى الماء قمم الجبال، وأهلك الله كلَّ الكافرين والمشركين، ونجَّى نوحًا -عليه السلام- والمؤمنين؛ فشكروا الله على نجاتهم، وصدر أمر الله -تعالى- بأن يتوقف المطر، وأن تبتلع الأرض الماء: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44] وابتلعت الأرض الماء، وتوقفت السماء عن المطر، ورست السفينة على جبلٍ يسَمَّى الجودى. ثم أمر الله نوحًا -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين بالهبوط من السفينة، قال تعالى: {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود:48] وناشد نوح -عليه السلام- ربه في ولده، وسأله عن غرقه استفسارًا واستخبارًا عن الأمر، وقد وعده أن ينجيه وأهله، فقال سبحانه: {إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح} [هود:46] وكان ابن نوح من الكافرين فلم يستحق رحمة الله، فامتثل نوح لأمر الله، وهبط من السفينة ومعه المؤمنون، وأطلق سراح الحيوانات والطيور، لتبدأ دورة جديدة من الحياة على الأرض، وظل نوح يدعو المؤمنين، ويعلمهم أحكام الدين، ويكثر من طاعة الله من الذكر والصلاة الصيام إلى أن توفي ولقى ربه. 4- هود (عليه السلام) في أرض اليمن، وفي مكان يسمَى (الأحقاف) كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح، وكانوا يسكنون البيوت ذوات الأعمدة الضخمة، قال تعالى: {إرم ذات العماد . التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر:7-8] ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة، ويتفاخرون ببنائها، قال تعالى: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء: [128-129] ويملكون حضارة عظيمة، وقد برعوا في الزراعة بسبب توفر الماء العذب الغزير وكثر لديهم الخير الوفير، وكثرت الأموال والأنعام، وأصبحت منطقتهم حقولا خصبة خضراء، وحدائق زاهرة وبساتين وعيونًا كثيرة. وأعطى الله أهل هذه القبيلة بنية
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:08 pm

    جسدية تختلف عن سائر البشر، فكانوا طوال الأجسام أقوياء.. إذا حاربوا قومًا أو قاتلوهم هزموهم، وبطشوا بهم بطشًا شديدًا، قال تعالى: {وإذا بطشتم بطشتم جبارين . فاتقوا الله وأطيعون . واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون} [الشعراء: 130-134]. وبرغم هذه النعم الكبيرة والخيرات الكثيرة التي أعطاهم الله إياها، لم يشكروا الله -تعالى- عليها، بل أشركوا معه غيره؛ فعبدوا الأصنام، وكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وارتكبوا المعاصي والآثام، وأفسدوا في الأرض، فأرسل الله لهم هودًا -عليه السلام- ليهديهم إلى الطريق المستقيم وينهاهم عن ضلالهم ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ويخبرهم بأن الله -سبحانه- هو المستحق للشكر على ما وهبهم من قوة وغنى ونعم، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} [الأعراف:65] فتساءلوا: ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام؟‍‍! فقال هود -عليه السلام- {إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون} [الشعراء: 125-126] فرد عليه قومه بغلظة واستكبار: {إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف: 66] فقال لهم هود: {يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين} [الأعراف:67-68]. فاستكبر قومه، وأنكروا عبادة الله، وقالوا له: {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين} [هود:53] وقالوا له: وما الحالة التي أنت فيها، إلا أن آلهتنا قد غضبت عليك، فأصابك جنون في عقلك، فذلك الذي أنت فيه، فلم ييأس هود -عليه السلام- وواصل دعوة قومه إلى طريق الحق، فأخذ يذكرهم بنعم الله -تعالى- عليهم؛ لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه، فقال: {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} [الشعراء: 132-134] ثم قال: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} [هود: 52]. ولم يجد هود -عليه السلام- فيهم إلا قلوبًا ميتة متحجرة متمسكة بغيها وضلالها، وإصرارها على عبادة الأصنام، إذ قابلوا نصحه وإرشاده لهم بالتطاول عليه والسخرية منه، فقال لهم: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون. من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم . فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قومًا غيركم ولا تضرونه شيئًا إن ربي على كل شيء حفيظ} [هود:54-57] فاستكبروا وتفاخروا بقوتهم وقالوا لهود: {من أشد منا قوة} [فصلت: 15] وأخذوا يسخرون منه ويستعجلون العذاب والعقوبة في سخرية واستهزاء فقالوا: {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 70].. فقال هود -عليه السلام-: {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين} [الأعراف:71] وبدأ عذاب الله لقوم عاد بأن أرسل عليهم حرًّا شديدًا، جفَّت معه الآبار والأنهار، وماتت معه الزروع والثمار، وانقطع المطر عنهم مدة طويلة، ثم جاء سحاب عظيم، فلما رأوه استبشروا به، وفرحوا، وظنوا أنه سيمطر ماءً، وقالوا: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24].. لقد ظنوا أن السحب ستأتي لهم بالخير، لتروي عطشهم وتسقي إبلهم وخيولهم، وزرعهم وبساتينهم، ولكنها كانت تحمل لهم العذاب والفناء، فجاءتهم ريح شديدة استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام دائمة دون انقطاع، تدمر كل شيء أمامها حتى أهلكتهم، قال تعالى: {ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} [الأحقاف: 24-25]. ونجَّى الله هودًا ومن آمنوا معه، قال تعالى: {فأنجيناه والذين آمنوا معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} [الأعراف: 72] وسار هود -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين إلى مكان آخر يعبدون الله فيه ويسبحونه. 5- سيدنا صالح في منطقة الحِجْر التي تقع بين الحجاز والشام، والتي تسمى الآن (بمدائن صالح) كانت تعيش قبيلة مشهورة تسمى ثمود، يرجع أصلها إلى سام بن نوح، وكانت لهم حضارة عمرانية واضحة المعالم، فقد نحتوا الجبال واتخذوها بيوتًا، يسكنون فيها في الشتاء؛ لتحميهم من الأمطار والعواصف التي تأتي إليهم من حين لآخر واتخذوا من السهول قصورًا يقيمون فيها في الصيف. وأنعم الله -عز وجل- عليهم بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، فأعطاهم الأرض الخصبة، والماء العذب الغزير، والحدائق والنخيل، والزروع والثمار، ولكنهم قابلوا النعمة بالجحود والنكران، فكفروا بالله -سبحانه- ولم يشكروه على نعمه وعبدوا الأصنام، وجعلوها شريكة لله، وقدَّموا إليها القرابين، وذبحوا لها الذبائح وتضرعوا لها، وأخذوا يدعونها، فأراد الله هدايتهم، فأرسل إليهم نبيًّا منهم، هو صالح -عليه السلام- وكان رجلاً كريمًا تقيًّا محبوبًا لديهم. وبدأ صالح يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك ما هم فيه من عبادة الأصنام، فقال لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [الأعراف:73] فرفض قومه ذلك، وقالوا له: يا صالح قد كنت بيننا رجلا فاضلاً كريمًا محبوبًا نستشيرك في جميع أمورنا لعلمك وعقلك وصدقك، فماذا حدث لك؟! وقال رجل من القوم: يا صالح ما الذي دعاك لأن تأمرنا أن نترك ديننا الذي وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا، ونتبع دينًا جديدًا ؟! وقال آخر: يا صالح قد خاب رجاؤنا فيك، وصِرْتَ في رأينا رجلا مختلَّ التفكير. كل هذه الاتهامات وجهت لنبي الله صالح -عليه السلام- فلم يقابل إساءتهم له بإساءة مثلها، ولم ييأس من استهزائهم به وعدم استجابتهم له، بل ظل يتمسك بدين الله رغم كلامهم، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد، ويذكِّرهم بما حدث للأمم التي قبلهم، وما حلَّ بهم من العذاب بسبب كفرهم وعنادهم، فقال لهم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [الأعراف: 74] ثم أخذ صالح يذكِّرهم بنعم الله عليهم، فقال لهم: {أتتركون في ما هاهنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخيل طلعها هضيم} [الشعراء:146-148]. ثم أراد أن يبين لهم الطريق الصحيح لعبادة الله، وأنهم لو استغفروا الله وتابوا إليه فإن الله سيقبل توبتهم، فقال : {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب} [هود: 61] فآمنت به طائفة من الفقراء والمساكين، وكفرت طائفة الأغنياء، واستكبروا وكذبوه، وقالوا: {أبشرًا منا واحدًا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر . أؤلقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} [القمر: 24-25]. وحاولت الفئة الكافرة ذات يوم أن تصرف الذين آمنوا بصالح عن دينهم وتجعلهم يشكون في رسالته، فقالوا لهم: {أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه} _[الأعراف:75] أي: هل تأكدتم أنه رسول من عند الله؟ فأعلنت الفئة المؤمنة تمسكها بما أُنْزِلَ على صالح وبما جاء به من ربه، وقالوا: {إنا بما أرسل به مؤمنون} [الأعراف: 75] فأصرَّت الفئة الكافرة على ضلالها وقالوا معلنين كفرهم وضلالهم: {إنا بالذي آمنتم به كافرون} [الأعراف: 76] ولما رأى صالح -عليه السلام- إصرارهم على الضلال والكفر قال لهم: {يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} [هود: 63]. وكان صالح -عليه السلام- يخاطب قومه بأخلاق الداعي الكريمة، وآدابه الرفيعة ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويجادلهم تارة أخرى في موضع الجدال، مؤكدًا على أن عبادة الله هي الحق، والطريق المستقيم. ولكن قومه تمادوا في كفرهم، وأخذوا يدبرون له المكائد والحيل حتى لا يؤمن به أكثر الناس، وذات يوم كان صالح -عليه السلام- يدعوهم إلى عبادة الله، ويبين لهم نعم الله الكثيرة، وأنه يجب شكره وحمده عليها، فقالوا له: يا صالح ما أنت إلا بشر مثلنا، وإذا كنت تدعي أنك رسول الله، فلابد أن تأتينا بمعجزة وآية. فسألهم صالح -عليه السلام- عن المعجزة التي يريدونها، فأشاروا على صخرة بجوارهم، وقالوا له: أخْرِجْ لنا من هذه الصخرة ناقة طويلة عُشَراء، وأخذوا يصفون الناقة المطلوبة ويعددون صفاتها، حتى يعجز صالح عن تحقيق طلبهم، فقال لهم صالح: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم أتؤمنون بي وتصدقونني وتعبدون الله الذي خلقكم؟ فقالوا له: نعم، وعاهدوه على ذلك، فقام صالح -عليه السلام- وصلى لله -سبحانه- ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا. وبعد لحظات حدثت المعجزة، فخرجت الناقة العظيمة من الصخرة التي أشاروا إليها، فكانت برهانًا ساطعًا، ودليلاً قويًّا على نبوة صالح، ولما رأى قوم صالح هذه الناقة بمنظرها الهائل آمن بعض قومه، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم، ثم أوحى الله إلى صالح أن يأمر قومه بأن لا يتعرضوا للناقة بسوء، فقال لهم صالح: {هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73]. واستمر الحال على هذا وقتًا طويلاً، والناقة تشرب ماء البئر يومًا، ويشربون هم يومًا، وفي اليوم الذي تشرب ولا يشربون كانوا يحلبونها فتعطيهم لبنًا يكفيهم جميعًا، لكن الشيطان أغواهم، فزين لهم طريق الشر، وتجاهلوا تحذير صالح لهم فاتفقوا على قتل الناقة، وكان عدد الذين أجمعوا على قتل الناقة تسعة أفراد، قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} [النمل: 48] ثم اتفقوا مع باقي القوم على تنفيذ مؤامرتهم، وقد تولى القيام بهذا الأمر أشقاهم وأكثرهم فسادًا، وقيل اسمه قدار بن سالف.. وفي الصباح، تجمع قوم صالح في مكان فسيح ينتظرون مرور الناقة لتنفيذ مؤامرتهم، وبعد لحظات مرت الناقة العظيمة فتقدم أحدهم منها، وضربها بسهم حاد أصابها في ساقها، فوقعت على الأرض، فضربها قدار بن سالف بالسيف حتى ماتت، وعلم صالح بما فعل قومه الذين أصروا على السخرية منه والاستهزاء به، وأوحى الله إليه أن العذاب سوف ينزل بقومه بعد ثلاثة أيام، فقال صالح -عليه السلام- لهم: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} _[هود:65] ولكن القوم كذبوه واستمروا في سخريتهم منه والاستهزاء به، ولما دخل الليل اجتمعت الفئة الكافرة من قوم صالح، وأخذوا يتشاورون في قتل صالح، حتى يتخلصوا منه مثلما تخلصوا من الناقة، ولكن الله -عز وجل- عَجَّلَ العذاب لهؤلاء المفسدين التسعة، فأرسل عليهم حجارة أصابتهم وأهلكتهم.. ومرت الأيام الثلاثة، وخرج الكافرون في صباح اليوم الثالث ينتظرون ما سيحل عليهم من العذاب والنكال، وفي لحظات جاءتهم صيحة شديدة من السماء، وهزة عنيفة من أسفلهم، فزهقت أرواحهم، وأصبحوا في دارهم هالكين مصروعين.. قال تعالى: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون . وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} [النمل: 52-53] وهكذا أهلك الله -عز وجل- قوم صالح بسبب كفرهم وعنادهم وقتلهم لناقة الله، والاستهزاء بنبيهم صالح -عليه السلام- وعدم إيمانهم به، وبعد أن أهلك الله الكافرين من ثمود، وقف صالح -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين ينظرون إليهم، فقال صالح -عليه السلام- : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} _[الأعراف: 79]. ولقد مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على ديار ثمود (المعروفة الآن بمدائن صالح) وهو ذاهب إلى تبوك سنة تسع من الهجرة، فأمر أصحابه أن يمروا عليها خاشعين خائفين، كراهة أن يصيبهم ما أصاب أهلها، وأمرهم بعدم دخول القرية الظالمة وعدم الشرب من مائها. [متفق عليه]. 6- إبراهيم (عليه السلام) كان آزر يعيش في أرض بابل بالعراق، يصنع الأصنام ويبيعها للناس ليعبدوها وكان له ولد صغير اسمه (إبراهيم) وهبه الله الحكمة وآتاه الرشد منذ الصغر، وذات يوم دخل إبراهيم على أبيه آزر، فرآه يصنع التماثيل، فتعجب إبراهيم من أمر هذه التماثيل، وقال في نفسه: لماذا يعبدها الناس وهي لا تسمع ولا تنطق، ولا تضر ولا تنفع؟! وكيف تكون آلهة، والناس هم الذين يصنعونها ؟! وصارت هذه الأسئلة تراود الفتى الصغير دون إجابة. ولما كبر إبراهيم وشبَّ أخذ يفكر في هذا الأمر، ويبحث عن الإله الحق الذي يستحق العبادة، فذهب إلى الصحراء الواسعة، وجلس ينظر إلى السماء، فرأى الكواكب والنجوم، واستنكر أن تكون هي ربه الذي يبحث عنه، لأنها مخلوقة مثله تعبد خالقها، فتظهر بإذنه وتغيب بإذنه، وظل إبراهيم في الصحراء ينظر إلى السماء يفكر ويتدبر عسى أن يهتدي إلى ربه وخالقه، فهداه الله -سبحانه- إلى معرفته، وجعله نبيًّا مرسلاً إلى قومه، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله رب العالمين. وأنزل الله -سبحانه- على إبراهيم صحفًا فيها آداب ومواعظ وأحكام لهداية قومه، وتعليمهم أصول دينهم، وتوصيتهم بوجوب طاعة الله، وإخلاص العبادة له وحده، والبعد عن كل ما يتنافى مع مكارم الأخلاق، وعاد إبراهيم إلى بيته، وقلبه مطمئن، ولما دخل البيت وجد أباه، فتقدم منه إبراهيم وأخذ ينصحه ويقول له: {يا أبت لما تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا. يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطًا سويًّا . يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيًّا . يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليًّا} [مريم:42-45] فردَّ عليه أبوه غاضبًا، وقال: {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليًا} [مريم:46]. لكن إبراهيم لم يقابل تلك القسوة بمثلها، بل صبر على جفاء أبيه، وقابله بالبر والرحمة، وقال له: {سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيًّا . وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيًّا} [مريم:47-48] وخرج إبراهيم من عند أبيه متوجهًا إلى المعبد، حتى يدعو قومه إلى عبادة الله، ولما دخل عليهم وجدهم عاكفين على أصنام كثيرة، يعبدونها ويتضرعون إليها، ويطلبون منها قضاء حوائجهم، فتقدم منهم إبراهيم، وقال لهم: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} [الأنبياء:52] فرد عليه القوم وقالوا: {وجدنا آباءنا لها عابدين} [الأنبياء:53]. فوضح لهم إبراهيم أن عبادة هذه الأصنام ضلال وكفر، وأن الله -سبحانه- الذي خلق السماوات والأرض هو المستحق للعبادة وحده فغضب قومه منه، واستكبروا وأصروا على كفرهم وعنادهم، فلمَّا وجد إبراهيم إصرارهم على عبادة الأصنام، خرج وهو يفكر في نفسه أن يحطم هذه الأصنام، وكان اليوم التالي يوم عيد، فأقام القوم احتفالا كبيرًا خارج المدينة، وذهب إليه جميع الناس، وخرج إبراهيم وحده إلى شوارع المدينة فلم يجد فيها أحدًا، فانتهز هذه الفرصة وأحضر فأسًا، ثم ذهب إلى المعبد الذي فيه الأصنام دون أن يراه أحد، فوجد أصنامًا كثيرة، ورأى أمامها
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:10 pm

    طعامًا كثيرًا وضعه قومه قربانًا لها وتقربًا إليها، لكنها لم تأكل. فأقبل إليها إبراهيم، وتقدم منها، ثم قال لها مستهزئًا: ألا تأكلون؟! وانتظر قليلا لعلهم يردون عليه، لكن دون جدوى، فعاد يسأل ويقول: ما لكم لا تنطقون؟! ثم أخذ يكسر الأصنام واحدًا تلو الآخر، حتى صارت كلها حطامًا إلا صنمًا كبيرًا تركه إبراهيم ولم يحطمه، وعلق في رقبته الفأس، ثم خرج من المعبد، ولما عاد القوم من الاحتفال مرُّوا على المعبد، ودخلوا فيه ليشكروا الآلهة على عيدهم وفوجئوا بأصنامهم محطمة ما عدا صنمًا واحدًا في رأسه فأس معلق، فتساءل القوم: من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال بعض القوم: سمعنا فتى بالأمس اسمه إبراهيم كان يسخر منها، ويتوعدها بالكيد والتحطيم، وأجمعوا أمرهم على أن يحضروا إبراهيم ويسألوه، ويحققوا معه فيما حدث. وفي لحظات ذهب بعض القوم وأتوا بإبراهيم إلى المعبد، ولما وقف أمامهم سألوه: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟! فرد إبراهيم: بل فعله كبيرهم هذا، ثم أشار بإصبعه إلى الصنم الكبير المعلق في رقبته الفأس، ثم قال: فسألوهم إن كانوا ينطقون، فرد عليه بعض الناس وقالوا له: يا إبراهيم أنت تعلم أن هذه الأصنام لا تنطق ولا تسمع، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ فانتهز إبراهيم هذه الفرصة وقال لهم: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم . أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} [الأنبياء: 66-67] فسكتوا جميعًا ولم يتكلموا، ونكسوا رءوسهم من الخجل والخزي، ومع ذلك أرادوا الانتقام منه، لأنه حطم أصنامهم، وأهان آلهتهم، فقال نفر من الناس: ما جزاء إبراهيم، وما عقابه الذي يستحقه؟ فقالوا: {حرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} [الأنبياء:68]. ثم ذهب جنود المعبد بإبراهيم إلى الصحراء، وجمعوا الحطب والخشب من كل مكان، وأشعلوا نارًا عظيمة، وجاءوا بآلة اسمها المنجنيق، ليقذفوا إبراهيم منها في النار، ولما جاء موعد تنفيذ الحكم على إبراهيم، اجتمع الناس من كل مكان ليشهدوا تعذيبه، وتصاعد من النار لهب شديد، فوقف الناس بعيدًا يشاهدون النار، ومع ذلك لم يستطيعوا تحمل حرارته، وجاءوا بإبراهيم مقيدًا بالحبال ووضعوه في المنجنيق، ثم قذفوه في النار، فوقع في وسطها، فقال إبراهيم: حسبي اللَّه ونعم الوكيل. فأمر الله النار ألا تحرق إبراهيم ولا تؤذيه، قال تعالى: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء:69] فأصبحت النار بردًا وسلامًا عليه، ولم تحرق منه شيئًا سوي القيود التي قيدوه بها، وظلت النار مشتعلة عدة أيام، وبعد أن انطفأت خرج منها إبراهيم سالـمًا، لم تؤذه، وتحدث الناس عن تلك المعجزة وعن نجاة إبراهيم من النار، وأراد النمرود ملك البلاد أن يناقش إبراهيم في أمر دعوته، فلما حضر إبراهيم أمام الملك سأله: من ربك؟ فقال إبراهيم مجيبًا: {ربي الذي يحيي ويميت} [البقرة:258] فقال الملك: {أنا أحيي وأميت} [البقرة:258] وأمر الملك الجنود أن يحضروا رجلين من المسجونين، ثم أمر بقتل رجل وترك الآخر، ثم نظر إلى إبراهيم وقال له: ها أنا ذا أحي وأميت، قتلت رجلا، وتركت آخر!! فلم يرد إبراهيم على غباء هذا الرجل، ولم يستمر في جداله في هذا الأمر، بل سأله سؤالاً آخر أعجزه ولم يستطع معه جدالاً، قال له إبراهيم: {فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} [البقرة:258] فبهت النمرود، وسكت عن الكلام اعترافًا بعجزه، وقرر إبراهيم الهجرة من هذه المدينة لأنه لم يؤمن به سوى زوجته سارة وابن أخيه لوط -عليه السلام- وهاجر إبراهيم ومعه زوجته سارة وابن أخيه لوط، وأخذ ينتقل من مكان إلى مكان آخر، حتى استقر به الحال في فلسطين، فظل بها فترة يعبد الله ويدعو الناس إلى عبادة الله، وإلى طريقه المستقيم. ومرت السنون، ونزل قحط بالبلاد، فاضطر إبراهيم إلى الهجرة بمن معه إلى مصر، وكان يحكم مصر آنذاك ملك جبار يحب النساء، وكان له أعوان يساعدونه على ذلك، فيقفون على أطراف البلاد، ليخبروه بالجميلات اللاتي يأتين إلى مصر، فلما رأوا سارة، وكانت بارعة الجمال، أبلغوا عنها الملك وأخبروه أن معها رجلاً، فأصدر الملك أوامره بإحضار الرجل، وفي لحظات جاء الجنود بإبراهيم إلى الملك، ولما رآه سأله عن المرأة التي معه، فقال إبراهيم: إنها أختي. فقال الملك: ائتني بها. فذهب إبراهيم إلى سارة، وأبلغها بما حدث بينه وبين الملك، وبما ذكره له بأنها أخته، فذهبت سارة إلى القصر، ولما رآها الملك انبهر من جمالها، وقام إليها، فقالت له: أريد أن أتوضأ وأصلي، فأذن لها، فتوضأت سارة وصلَّت، ثم قالت: (اللهمَ إن كنت تعلم أني آمنتُ بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط على هذا الكافر) [أحمد] فاستجاب الله لها، وعصمها وحفظها، فكلما أراد الملك أن يمسك بها قبضت يده، فسألها أن تدعو الله أن تُبسَـط يده، ولن يمسها بسوء، وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات. فلما علم أنه لن يقدر عليها نادى بعض خدمه، وقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسان، إنما أتيتموني بشيطان، ثم أمر الخدم أن يعطوها هاجر، لتكون خادمة لها. [البخاري] فعادت سارة إلى زوجها دون أن يمسها الملك، فوجدته قائمًا يصلي فلما انتهى نظر إليها، وسألها عما حدث؟ فقالت: إن الله ردَّ كيده عني وأعطاني جارية تسمى هاجر لتخدمني، وبعد فترة رجع إبراهيم إلى فلسطين مرة أخرى وأثناء الطريق استأذنه ابن أخيه لوط في الذهاب إلى قرية سدوم ليدعو أهلها إلى عبادة الله، فأعطاه إبراهيم بعض الأنعام والأموال، وواصل هو وأهله السير إلى فلسطين، حتى وصلوا إليها واستقروا بها، وظل إبراهيم -عليه السلام- في فلسطين فترة طويلة. وأحب الله إبراهيم -عليه السلام- واتخذه خليلاً من بين خلقه، قال تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء:125] وذات يوم، أراد إبراهيم أن يرى كيف يحيي الله الموتى، فخرج إلى الصحراء يناجي ربه، ويطلب منه أن يريه ذلك، قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعيًّا واعلم أن الله عزيز حكيم} [البقرة:260]. ففعل إبراهيم ما أمره ربه، وذبح أربعة من الطيور ووضع أجزاءها على الجبال، ثم عاد إلى مكانه مرة أخرى، ووقف متجهًا ناحية الجبال، ثم نادى عليهن، فإذا بالحياة تعود لهذه الطيور، وتجيء إلى إبراهيم بإذن ربها، وكانت سارة زوجة إبراهيم عقيمًا لا تلد، وكانت تعلم رغبة إبراهيم وتشوقه لذرية طيبة، فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها، لعل الله أن يرزقه منها ذرية صالحة، فتزوج إبراهيم هاجر، فأنجبت له إسماعيل فسعد به إبراهيم سعادة كبيرة لأنه جاء له بعد شوق شديد وانتظار طويل. وأمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يأخذ زوجته هاجر وولدها إسماعيل ويهاجر بهما إلى مكة، فأخذهما إبراهيم إلى هناك، وتوجه إلى الله داعيًا {ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم تركهما إبراهيم، وعاد إلى زوجته سارة، وذات يوم جاءت إليه ملائكة الله في صورة بشر، فقام إبراهيم سريعًا فذبح لهم عجلاً سمينًا، وشواه ثم وضعه أمامهم ليأكلوا فوجدهم لا يأكلون، لأن الملائكة لا تأكل ولا تشرب، وهنا أخبرت الملائكة إبراهيم بأنهم ليسوا بشرًا، وإنما هم ملائكة جاءوا ليوقعوا العذاب على قرية سدوم، لأنهم لم يتبعوا نبيهم لوطًا، وبشرت الملائكة إبراهيم بولده إسحاق من سارة، وكانت عجوزًا، فتعجبت حينما سمعت الخبر، فهي امرأة عجوز عقيم وزوجها رجل شيخ كبير، فأخبرتها الملائكة أن هذا هو أمر الله، فقالت الملائكة: {أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} [هود:73]. وذات مرة رأى إبراهيم -عليه السلام- أنه يذبح ابنه في المنام، فأخبر ابنه إسماعيل بذلك، وكان هذا امتحان من الله لإبراهيم وإسماعيل، فاستجاب إسماعيل لرؤيا أبيه طاعة لله، واستعد كل منهما لتنفيذ أمر الله، ووضع إبراهيم ابنه إسماعيل على وجهه، وأمسك بالسكين ليذبحه، فكان الفرج من الله، فقد نزل جبريل -عليه السلام- بكبش فداء لإسماعيل، فكانت سنة الذبح والنحر في العيد، وصدق الله إذ يقول: {وفديناه بذبح عظيم}_[الصافات: 107] وكان نبي الله إبراهيم يسافر إلى مكة من حين لآخر ليطمئن على هاجر وابنها إسماعيل. وفي إحدى الزيارات، طلب إبراهيم من ابنه أن يساعده في رفع قواعد البيت الحرام الذي أمره ربه ببنائه، فوافق إسماعيل، وأخذا ينقلان الحجارة اللازمة لذلك حتى انتهيا من البناء، وعندها أخذا يدعوان ربهما أن يتقبل منهما فقالا: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] فاستجاب الله لإبراهيم وإسماعيل، وبارك في الكعبة، وجعلها قبلة للمسلمين جميعًا في كل زمان ومكان. قد كان لإبراهيم -عليه السلام- رسالة ودين قويم وشريعة سمحة، أمرنا الله باتباعها، قال تعالى: {قل صدقوا الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [آل عمران: 59] أي اتبعوا الدين الحنيف القويم الثابت الذي لا يتغير، ومرض إبراهيم -عليه السلام- ثم مات، بعد أن أدى رسالة الله وبلغ ما عليه، وفي رحلة الإسراء والمعراج قابل النبي -صلى الله عليه وسلم- خليل الله إبراهيم -عليه السلام- في السماء السابعة بجوار البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألف من الملائكة يتعبدون فيه، ويطوفون، ثم يخرجون ولا يعودون إليه إلى يوم القيامة. وذلك كما ذكر في حديث المعراج الذي يقول فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- (... ثم صعد بي جبريل إلى السماء السابعة، فاستفتح جبرائيل، قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل: قيل: ومن معك؟ قال محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، فسلمتُ عليه فرد السلام، ثم قال مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح ...) [البخاري]. وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خير البرية، فقال: (ذاك إبراهيم) [أحمد].. وهو أول من يكْسى يوم القيامة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (... وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) [متفق عليه].. فالناس يحشرون يوم القيامة عراة، فيكسى إبراهيم عليه السلام تكريمًا له ثم الأنبياء، ثم الخلائق، وقد مدح الله سبحانه وتعالى نبيه إبراهيم وأثنى عليه، قال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين . شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم . وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النحل:120-123]. وقد فضل الله إبراهيم -عليه السلام- في الدنيا والآخرة، فجعل النبوة فيه وفي ذريته إلى يوم القيامة، قال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} [العنكبوت:27]. وإبراهيم -عليه السلام- من أولي العزم من الرسل، ووصى الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يسير على ملته، قال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:10 pm

    المشركين} [الأنعام:61] وقال: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النحل:123] ومدح الله إبراهيم بالوفاء والقيام بما عهد إليه، قال تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} [النجم:37] ولأنه أفضل الأنبياء والرسل بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- أمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي عليه في صلاتنا في التشهد أثناء الصلاة. 7- سيدنا لوط هاجر لوط مع عمه إبراهيم -عليه السلام- إلى مصر، ومكثا فيها مدة من الزمن ثم عادا إلى فلسطين، وفي الطريق، استأذن لوط عمه إبراهيم، ليذهب إلى أرض سدوم (بجوار البحر الميت في بلاد الأردن الآن) حيث اختار الله لوطًا ليكون نبيًّا إلى أهل هذه الأرض، فأذن له إبراهيم وذهب لوط إلى سدوم وتزوج هناك. وكانت أخلاق أهل تلك البلدة سيئة، فكانوا لا يتعففون عن فعل المعصية، ولا يستحيون من المنكر، ويخونون الرفيق، ويقطعون الطريق، وفوق هذا كانوا يفعلون فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين؛ فكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، وأخذ لوط -عليه السلام- يدعو أهل سدوم إلى الإيمان وترك الفاحشة، فقال لهم: {ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين . أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون} [الشعراء: 161-166]. لكن قوم لوط لم يستجيبوا له، وتكبروا عليه، وسخروا منه، فلم ييأس لوط وظل صابرًا على قومه يدعوهم في حكمة وأدب إلى عبادة الله وحده، وينهاهم ويحذرهم أشد التحذير من إتيان المحرمات وفعل الفواحش والمنكرات، ومع هذا لم يؤمن به أحد واستمر الناس في ضلالهم وطغيانهم وفجورهم، وقالوا له بقلوب قاسية: {ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين} [العنكبوت:29] وهددوه بطرده من القرية لأنه كان غريبًا في قومه، فغضب لوط من قومه وابتعد عنهم هو ومن آمن به من أهل بيته إلا زوجته، فقد كفرت وانحازت إلى قومها وشاركتهم في مضايقته والاستهزاء به، وضرب الله بها مثلاً في الكفر، فقال تعالى: {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} [التحريم:10] وخيانة امرأة لوط هي كفرها وعدم إيمانها بالله. وأرسل الله ثلاثة من الملائكة على صورة ثلاثة رجال هيئتهم حسنة، فمروا على إبراهيم ، فظن إبراهيم أنهم بشر فقام على الفور وذبح لهم عجلاً سمينًا لكنهم لم يأكلوا منه، وبشرت الملائكة إبراهيم بأن الله -سبحانه- سوف يرزقه بولد من زوجته سارة هو إسحاق، ثم أخبرته الملائكة أنهم ذاهبون إلى قرية سدوم لتعذيب أهلها وعقابهم على كفرهم ومعاصيهم، فأخبرهم إبراهيم بوجود لوط في هذه القرية، فطمأنته الملائكة بأن الله سينجيه وأهله إلا زوجته لأنها كفرت بالله. وخرجت الملائكة من عند إبراهيم وتوجهوا إلى قرية سدوم، فوصلوا إلى بيت لوط وكانوا في صورة شبان حسان، فلما رآهم لوط خاف عليهم، ولم يعلم أحد بقدومهم إلا آل لوط، فخرجت امرأته وأخبرت قومها وقالت: إن في بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط، فجاء القوم يسرعون إلى بيت لوط يبغون الفاحشة مع هؤلاء الضيوف، واجتمع قوم لوط وازدحموا عند باب بيته وهم ينادون بصوت عالٍ يطلبوا من لوط أن يخرج لهم هؤلاء الضيوف، وكل منهم يمني نفسه بالمتعة والشهوة الحرام مع هؤلاء الرجال، فمنعهم لوط من دخول البيت ومن الهجوم والاعتداء على ضيوفه، وقال لهم: {إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون . واتقوا الله ولا تخزون} [الحجر:68-69] وأخذ يذكرهم بأن الله خلق النساء لقضاء شهوة الرجال فهن أزكى لهم وأطيب، ولكن قوم لوط أصروا على الدخول، ولم يجد لوط من بينهم رجلاً عاقلاً يبين لهم ما هم فيه من الخطأ وأحس لوط بضعفه أمام هؤلاء القوم، فقال: {لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد} [هود:80]. وعندئذ كشف الضيوف عن حقيقتهم، وأخبروا لوطًا بأنهم ليسوا بشرًا وإنما هم ملائكة من السماء جاءوا لتعذيب هؤلاء القوم الفاسقين، وما هي إلا لحظات حتى اقتحم قوم لوط البيت على الملائكة فأشار أحد الملائكة، بيده ناحيتهم ففقد القوم أبصارهم وراحوا يتخبطون بين الجدران، ثم طلبت الملائكة من لوط أن يرحل مع أهله عندما يقبل الليل لأن العذاب سينزل على قومه في الصباح، ونصحوه ألا يلتفت هو ولا أحد من أهله خلفهم عندما ينزل العذاب حتى لا يصيبهم. وفي الليل خرج لوط وابنتاه وتركوا القرية، وما إن غادروها حتى انشق الصباح فأرسل الله العذاب الشديد على قرية سدوم، فاهتزت القرية هزة عنيفة وتزلزلت الأرض، واقتلع مَلَكٌ بطرف جناحه القرية بما فيها وارتفع بها حتى سمع أهل السماء نباح كلابها ثم انقلبت القرية رأسًا على عقب، وجعل الله عاليها سافلها وأمطر عليهم من السماء حجارة ملتهبة تحرقهم، وأحاط بهم دخان خانق يشوي وجوههم وأجسامهم. قال تعالى: {فلما جاءنا أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود . مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} [هود:82-83] ونجَّى الله لوطاً وابنتيه برحمة منه سبحانه، لأنهم حفظوا العهد، وشكروا النعمة وعبدوا الله الواحد الأحد وكانوا خير مثال للعفة والطهارة، وأصبحت قرية سدوم عبرة وعظة لكل الأجيال القادمة، قال تعالى: {وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم} [الذاريات:37]. 8- سيدنا إسماعيل كان إبراهيم -عليه السلام- يحب أن تكون له ذرية صالحة تعبد الله -عز وجل- وتساعده في السعي على مصالحه، فعلمت السيدة سارة ما يريده زوجها، وكانت عاقرًا لا تلد فوهبت له خادمتها هاجر ليتزوجها؛ لعلها تنجب له الولد، فلما تزوجها إبراهيم -عليه السلام- حملت منه، وأنجبت له إسماعيل، وبعد مرور فترة من ولادة إسماعيل أمر الله -عز وجل- إبراهيم أن يذهب بزوجته هاجر وولده إلى مكة، فاستجاب إبراهيم لأمر ربه، وسار بهما حتى وصلوا إلى جبال مكة عند موضع بناء الكعبة، وظل معهما فترة قصيرة، ثم تركهما في هذا المكان وأراد العودة إلى الشام، فلما رأته زوجته هاجر عائدًا أسرعت خلفه، وتعلقت بثيابه، وقالت له: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فلم يرد عليها إبراهيم -عليه السلام- وظل صامتًا، فألحت عليه زوجته هاجر، وأخذت تكرر السؤال نفسه، لكن دون فائدة، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ فقال إبراهيم: نعم، فقالت هاجر: إذن لن يضيعنا، ثم رجعت. وسار إبراهيم -عليه السلام- وترك زوجته وولده، وليس معهما من الطعام والماء إلا القليل، ولما ابتعد عنها إبراهيم، رفع يده داعيًا ربه فقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم:37] ثم واصل السير إلى الشام، وظلت هاجر وحدها، ترضع ابنها إسماعيل، وتشرب من الماء الذي تركه لها إبراهيم حتى نفد ما في السقاء، فعطشت، وعطش ابنها فتركته وانطلقت تبحث عن الماء، بعدما بكى الطفل بشدة، وأخذ يتلوى، ويتمرغ أمامها من شدة العطش. وأخذت هاجر تمشي حتى وصلت إلى جبل الصفا، فصعدت إليه ثم نظرت إلى الوادي يمينًا ويسارًا؛ لعلها ترى بئرًا أو قافلة مارة من الطريق فتسألهم الطعام أو الماء، فلم تجد شيئًا، فهبطت من الصفا، وسارت في اتجاه جبل المروة فصعدته وأخذت تنظر بعيدًا لترى مُنقِذًا ينقذها هي وابنها مما هما فيه، إلا أنها لم تجد شيئًا كذلك، فنزلت من جبل المروة صاعدة جبل الصفا مرة أخرى لعلها تجد النجاة وظلت هكذا تنتقل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا سبع مرات. وقد أصبح هذا السعي شعيرة من شعائر الحج، وذلك تخليدًا لهذه الذكرى، قال تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرًا فإن الله شاكر عليم } [البقرة:158] وبعد أن تعبت هاجر، وأحست بالإجهاد والمشقة، عادت إلى ابنها دون أن يكون معها قطرة واحدة من الماء، وهنا أدركتها رحمة الله -سبحانه- فنزل الملك جبريل -عليه السلام- وضرب الأرض، فتفجرت وتدفقت منها بئر زمزم وتفجر منها ماء عذب غزير، فراحت هاجر تغرف بيدها وتشرب وتسقى ابنها، وتملأ سقاءها، وشكرت الله -عز وجل- على نعمته، وعلى بئر زمزم التي فجرها لها. ومرت أيام قليلة، وجاءت قافلة من قبيلة جرهم -وهي قبيلة عربية يمنية- فرأت طيرًا يحوم فوق مكان هاجر وابنها، فعلموا أن في ذلك المكان ماء، فأقبلوا نحو المكان الذي يطير فوقه الطير، فوجدوا بئر زمزم فتعجبوا من وجودها في هذه المكان، ووجدوا أم إسماعيل تجلس بجواره، فذهبوا إليها، وعرفوا قصتها فاستأذنوها في الإقامة بجوار هذه البئر، فأذنت لهم، وعاشت معهم هي وابنها وتعلم منهم إسماعيل اللغة العربية، وأخذت هاجر تربي ابنها إسماعيل تربية حسنة وتغرس فيه الخصال الطيبة والفضائل الحميدة، حتى كبر قليلاً، وصار يسعى في مصالحه لمساعدة أمه. وكان إبراهيم -عليه السلام- يزور هاجر وولده إسماعيل من حين لآخر لكي يطمئن عليهما، وذات يوم رأى إبراهيم في منامه أنه يذبح ابنه إسماعيل الذي جاء بعد شوق طويل، فلما قام من نومه، علم أن ما رآه ما هو إلا أمر من الله؛ لأن رؤيا الأنبياء حق، فذهب إبراهيم إلى ابنه، وقال له: {يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات:102] فقال إسماعيل: {يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات:102].. وأخذ إبراهيم ابنه إسماعيل وذهب به إلى مِنَى ثم ألقاه على وجهه كي لا يرى وجهه عند الذبح، فيتأثر بعاطفة الأبوة، واستسلم إسماعيل لأمر الله ووضع إبراهيم السكين على رقبة ابنه إسماعيل ليذبحه، وقبل أن يمر السكين سمع إبراهيم نداء الله تعالى يقول له: {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات:104-106] وبعد لحظات من النداء الإلهي رأى إبراهيم الملك جبريل -عليه السلام- ومعه كبش عظيم، فأخذه إبراهيم وذبحه بدلاً من ابنه إسماعيل. لقد أراد الله -عز وجل- أن يختبر إبراهيم في التضحية بابنه إسماعيل، فلما وجده قد امتثل لأمره دون كسل واعتراض كشف الله هذا البلاء، وفدى إسماعيل بكبش عظيم، وقد أصبح يوم فداء إسماعيل وإنقاذه من الذبح عيدًا للمسلمين يسمي بعيد الأضحى، يذبح فيه المسلمون الذبائح تقربًا إلى الله وتخليدًا لهذه الذكري الطيبة، وعاد إبراهيم بولده إلى البيت، ففرحت الأم بنجاة ولدها فرحًا شديدًا، وكبر إسماعيل حتى أصبح شابًّا قويًّا، وتزوج امرأة من إحدى القبائل التي استقرت حول بئر زمزم. وذات يوم زار إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل، فلم يجده في بيته، ووجد زوجته وكانت لا تعرفه، فسألها إبراهيم عن زوجها إسماعيل، فقالت: خرج يبتغي لنا رزقًا، فسألها عن عيشهم، فقالت: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إبراهيم : إذا جاء زوجك مريه أن يغير عتبة بابه، فلما عاد إسماعيل سأل زوجته: هل زارنا أحد اليوم؟ قالت له: نعم، زارنا شيخ صفته كذا وكذا، فقال إسماعيل: هل قال لك شيئًا؟قالت: سألني عنك وعن حالتنا وعيشتنا، فقال لها: وماذا قلت له؟ قالت: قلت له: إننا نعيش في ضيق وشدة، فقال إسماعيل: وهل أوصاك بشيء؟ قالت: قال لي: قولي لزوجك عندما يعود أن يغير عتبة بابه، فقال إسماعيل: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك، فألحقي بأهلك فطلقها إسماعيل، وتزوج بغيرها. ومرت فترة من الزمن، ثم عاد إبراهيم لزيارة ابنه إسماعيل، ولم يجده أيضًا، ووجد زوجته، وكانت هي أيضا لا تعرفه، فسألها أين زوجك إسماعيل؟ قالت له: خرج يبتغي لنا رزقًا، فقال إبراهيم: وكيف أنتم؟ قالت: نحن بخير وسعة، ففرح إبراهيم بهذه الزوجة، واطمأن لحالها، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي له مني السلام ومريه أن يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل أخبرته زوجته بما حدث، وأثنت على إبراهيم، فقال إسماعيل: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك. [البخاري]. وعاد إبراهيم إلى فلسطين، وظل بها مدة طويلة يعبد الله -عز وجل- ثم ذهب لزيارة إسماعيل، فوجده يبري نبلاً له قرب بئر زمزم، فلما رآه إسماعيل قام إليه واحتضنه واستقبله أحسن استقبال، ثم قال إبراهيم لابنه: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمرٍ. فقال إسماعيل: اصنع ما أمرك به ربك، فقال إبراهيم: وتعينني عليه؟ قال إسماعيل: وأعينك عليه، فقال إبراهيم: إن الله أمرني أن أبني هنا بيتًا، كي يعبده الناس فيه، فوافق إسماعيل أباه، وبدأ ينقل معه الحجارة اللازمة لبناء هذا البيت، وكان إبراهيم يبني، وإسماعيل يعينه، حتى إذا ما ارتفع البناء واكتمل جاء جبريل بحجر من الجنة، وأعطاه لإبراهيم، ليضعه في الكعبة، وهو ما يسمى بالحجر الأسود. وبعد أن انتهى إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- من بناء الكعبة وقفا يدعوان ربهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم . ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم} [البقرة:127-128] وقد أثنى الله على نبيه إسماعيل -عليه السلام- ووصفه بالحلم والصبر وصدق الوعد، والمحافظة على الصلاة، وأنه كان يأمر أهله بأدائها، قال تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًّا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيًّا} [مريم:54-55]. وكان إسماعيل رسولاً إلى القبائل التي سكنت واستقرت حول بئر زمزم، وأوحى الله إليه، قال تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له
    نسر الشرق
    نسر الشرق


    عدد الرسائل : 56
    العمر : 37
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 18/05/2008

    صسي رد: نهرو عبد الصبور طنطاوي

    مُساهمة من طرف نسر الشرق الثلاثاء مايو 20, 2008 2:11 pm

    مسلمون} [البقرة:163] وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [النساء:163] وكان إسماعيل -عليه السلام- أول من رمى بسهم، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشجع الشباب على الرمي بقوله: (ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا) [البخاري]. وإسماعيل -عليه السلام- هو جد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو العرب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) [مسلم]. هذه المجموعه الاولى اتمنى ان تنال اعجابكم والان مع المجموعه الثانيه في المشاركه الثانيه اقرئوها وشاركونا فيها ليحفظنا ويحفظكم الله الموضوع ومشاركتي مقدمه لمنتدى برق واعضائه وزواره الكرام ارجو من ادراه المنتدى والمراقبين تثبيت المشاركه وموضوع مجموعه قصص الانبياء اقبلو تحيانتي والان مع المجموعه الثانيه
    الفراشة
    الفراشة
    العضو المميز
    العضو المميز


    عدد الرسائل : 96
    العمر : 31
    المزاج : رايقة
    صور : نهرو عبد الصبور طنطاوي Female55
    تاريخ التسجيل : 27/01/2008

    صسي معارك تكتب بالذهب

    مُساهمة من طرف الفراشة الإثنين يونيو 23, 2008 9:06 pm

    معركه حطين

    هي أول معركة جدية قابل بها الشرق المسلم أعداءه الصليبين، وهي نقطة انعطاف ما بين مرحلتين كان المسلمون في أولاهما مدافعين فأصبحوا في الثانية مهاجمين، وقضت نهائيا على أسطورة الفارس الصليبي الذي لا يقهر.

    ففي يوم الجمعة 26 حزيران 1187 استعرض الحاكم الأيوبي صلاح الدين عساكره بحوران، فتولى هو قيادة قلب الجيش وجعل ابن اخيه على الجناح الأيمن وقائدا آخر على الجناح الأيسر، وخرج الجيش إلى جنوب بحيرة طبرية حتى عبر نهر الأردن، أما الملك الصليبي غاي فإنه قد حشد كل ما بوسعه أن يحشد من الفرسان في عكا، فلم يتركوا سوى حاميات صغيرة للدفاع عن القلاع الموكول أمرها إليهم، وأصدر الأوامر بالتحرك إلى طبرية لكن صلاح الدين سبقهم وعسكر بجيشه جنوب حطين بحيث جعل البحيرة إلى ظهره وقرية حطين إلى يمينه، وبعد الظهر وصل الفرنج إلى الهضبة التي تقع حطين خلفها مباشرة فوجدوا المسلمين أمامهم في أسفل السفح قد سدوا عليهم الطريق وحالوا بينهم وبين الوصول إلى البحيرة، وتحت جنح الليل حرك صلاح الدين جيشه وعبأه للقتال ومد جناحيه يمينا ويسارا بحيث طوق الجيش الصليبي كله، وما كاد يبزغ فجر السبت الرابع من تموز حتى اكتشف الصليبيون أن المسلمين قد سدوا عليهم المنافذ وأحاطوا بهم من ثلاث جوانب، ومع بدأ إرسال الشمس أشعتها الذهبية بدأ المسلمون الهجوم، فتقدمت فرقة الرماة وأمطرت العدو وابلا من سهامها ثم تقدم القلب والجناحان بخيلهم ورجلهم فاشتبكوا مع العدو بالسيوف والرماح، وأدرك الصليبيون أن الكارثة باتت وشيكة فانسحبوا إلى تل حطين يسارا ثم شنوا هجوما صاعقا مستميتا على ميمنة الجيش الإسلامي، فأفسح لهم المسلمون المجال حتى يمروا ثم سدوا عليهم الثغرة فلم يستطيعوا العودة، ولم تمض ساعات قليلة حتى ردوا جميعا إلى التل وهناك أعمل في رقابهم المسلمون السيف، وأبيد الجيش الإفرنجي وكان أكبر جيش استطاع الإفرنج حشده لمعركة، وقتل ما يزيد على العشرين ألفا منهم وزاد عدد الأسرى على الإثني عشر ألفا.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 29, 2024 2:16 am